زيارة قبر غير المسلم

03:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ
زيارة القبور بشكل عام مشروعة في الإسلام، والفقهاء قالوا بأنها مستحبة للرجال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الموت أو قال الآخرة).
وأما النساء فقد ورد في الحديث: (لعن الله زوارات القبور)، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام للنسوة اللواتي قمن بزيارة القبور: (ارجعن مأزورات غير مأجورات) (صححه الألباني).
وقال الفقهاء: إن الجمهور يرون جواز زيارة القبور للنساء إذا التزمن بآداب الزيارة، لأن الحديث كان خاصاً بالاتي قمن بلطم الخدود وشق الصدور أو غير ذلك من ألوان التبرك بالموتى والاستغاثة بهم.
وإذا نظرنا إلى هذه المخالفات، فإن الزيارة للرجال أيضاً تصبح غير مشروعة، لأن زائر القبر كما يقول الدكتور أحمد الشرباصي في كتابه «يسألونك في الدين والحياة» ينبغي ألا يأتي بمنكر أو بدعة، بل يأتي ويقف أمام القبر أو القبور التي يريد زيارتها ويقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم يا أرحم الراحمين».
وفي الحديث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم فرطنا ونحن لكم تبع، ونسأل الله لنا ولكم العافية).
والإسلام لم يشرع زيارة قبور المسلمين فقط، بل حتى غير المسلمين أجاز زيارة قبورهم إن كانت من باب المجاملة، وليس من قبيل التكريم والتقديس.
نعم.. الإسلام دين عالمي وإنساني، والله تعالى يقول عن الرسول عليه الصلاة والسلام: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (الآية 107 من سورة الأنبياء).
ويقول أيضاً: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ..» (الآية 8 من سورة الممتحنة).
وفي هذه الأيام بالأخص، حيث تكثر الجاليات في البلاد، يجب علينا أن نتعامل مع الناس من باب الإنسانية الواسع، وليس من باب أن هذا مسلم وذاك غير مسلم، والإسلام أباح النكاح من الكتابيات فكيف لا يبيح التزاور والتشاور والتعامل والتعارف؟
ثم إن زيارة القبور يراد منها الاعتبار والاتعاظ في الدرجة الأولى، وفي هذا لا يختلف قبر المسلم وغير المسلم.
أما إذا زار المسلم قبر غير المسلم بنية التكريم والتعظيم أو الدعاء له بالمغفرة، فذلك يدخل في باب المنهيات طبعاً، ولم يحصل في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- كما يقول الدكتور أحمد الشرباصي أن قام أحد بوضع باقة من الزهور على قبر مسلم أو غير مسلم، لأن ذلك محرم حتى مع المسلم.
ولا أكثر من أن نرى الرسول -صلى الله عليه وسلم- زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، وقال عليه الصلاة والسلام: «استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي» (رواه أحمد ومسلم).
إذن ينبغي لنا أن نبقي على الدين حرمته وهيبته، ولا نتخذه مطية نحمل عليها ما نشاء من غير أن نفكر في كونها تتحمل ذلك أم لا تتحمله.
كما لا يجوز أن نتهم الدين بالجمود، كلما خالفنا في رغبة من رغباتنا، فالدين شريعة وقانون، والشرائع والقوانين حتى لو كانت وضعية لا تلبي بالضرورة كل الرغبات وإلا عدت جامدة.
أقول: إن الناس اليوم بين مفرط ومفرّط، فمن أجيز له المجاملة في شيء فهمها بأنها رخصة لتحليل الحرام، فجامله في القول والفعل وفتح على نفسه باباً لا ينسد، ومن وقف معارضاً عامل الناس بالخشونة واستخدم أسلوباً منفراً لا يقره الإسلام، ألا والدين الحق بين هذا وذاك وما ضاق أمر إلا واتسع.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"