لبنان وإنهاء «الطائف» والطائفية

03:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

بقي لبنان حالة فريدة في العالم العربي، فقد عُرف منذ نهاية خمسينات القرن الماضي لغاية مطلع الثمانينات منه بأنه واحة للحرية الفكرية والثقافية، ومنه خرجت بعض أهم التجارب والأسماء العربية، لكن الحرب الأهلية قضت على حيوية تلك التجربة، فقد كانت ضريبة نهاية الاقتتال، توافق الأطراف اللبنانية السياسية التي خاضت الحرب على نظام سياسي قائم على المحاصصة السياسية بين زعماء تلك الأحزاب، وهم في الواقع زعماء طوائفهم وممثلوها، والذين استمرّ معظمهم منذ «اتفاق الطائف» في عام 1989 في مواقعهم، على الرغم من الخلافات في ما بينهم.
رضي اللبنانيون بنتائج «اتفاق الطائف» بكل عيوبه، رغبة منهم في وضع حدّ لعبثية الحرب التي دامت نحو 15 عاماً، واستجلبت تدخلاً إقليمياً ودولياً إلى بلدهم، ودخول القوات السورية في عام 1976، ضمن «قوات الردع العربية»، لكنها لم تخرج إلا في عام 2005، بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري.
لقد ضمن زعماء الطوائف عبر الدستور والقوانين التنفيذية تقاسم المناصب في ما بينهم، حتى إن قوانين الانتخاب البرلمانية والبلدية مصممة في إطار نظام المحاصصة، وهو ما يجعل من الوصول إلى المناصب، خصوصاً المؤثرة منها، رهينة حالة الولاء التي يقدّمها أبناء كل طائفة لزعيمهم السياسي، في نظام اقتصادي مبني على عدد من العوامل غير الإنتاجية.
بقي بعض الساسة في لبنان يردّدون مقولة «قوة لبنان في ضعفه»، وهي المقولة المخصصة للتغطية على ضعف الأداء السياسي، وعجز النظام برمته عن تقديم حلول تنموية لمختلف أبناء الشعب اللبناني، وولاء معظم القوى السياسية للخارج، والتي يعلن بعضها تبعيته العلنية لدولة إقليمية بعينها، وهو ما تردّد في خطابات السيد حسن نصر الله أمين عام «حزب الله»، في خطاباته.
بعد الموجة الأولى للانتفاضات العربية وتحوّل الصراع في سوريا إلى صراع مسلّح، اتخذت الحكومة اللبنانية قرار «النأي بالنفس»، في محاولة منها لتجنّب الآثار الكارثية للتدخل المباشر أو غير المباشر في الحدث السوري، لكن هذا القرار لم يجد طريقه إلى التنفيذ.
خلال العقود الثلاثة الماضية احتكرت الأحزاب الطائفية الفضاء العام السياسي والإعلامي، كما احتكر زعماؤها ورجالاتهم الأعمال والصفقات التجارية الكبرى، مع تراجع كبير في مستوى الدخل، وانكماش الطبقة الوسطى، وعدم تطوير جدّي للبنى التحتية، أو الخدمات العامة، وهو ما تزامن مع ظهور جيل جديد من اللبنانيين الذين لم يعيشوا تجربة الحرب الأهلية، وإنما عانوا تبعات «اتفاق الطائف»، ونظام المحاصصة الطائفي، كما اكتسبوا ثقافة جديدة أتاحتها المنظومة الثقافية والتواصلية لثورتي التقانة والاتصالات، والتي شكّلت فضاءً للتعبير والتضامن أكثر حرية من الفضاء الرسمي، وهو ما استفاد منه جيل الانتفاضات العربية، في موجتيها الأولى والثانية.
ثمة جيل لبناني جديد، شكّل وعيه بعيداً عن «الطائف» والطائفية، لم يعد قادراً على الحياة في ظل دولة مرهونة لخلافات الزعماء السياسيين وولاءاتهم، أو مؤسسات حكومية لا تلبي الحدّ المطلوب منها للمواطن، كما أن هذا الجيل يرفض بشدة الجدران الاجتماعية والإنسانية التي رُفعت بين المناطق اللبنانية، بحجة الخوف من الآخر، والتي استفاد منها الزعماء السياسيون للبقاء ممثلين لطوائفهم، حتى إن كل طائفة أصبحت تختصر باسم الزعيم.
ما يطالب به الشباب والشابات في ساحات بيروت والمدن اللبنانية واضح، وبإجماع لا يتخلله أي شك، وهو وجوب رحيل الطبقة السياسية كاملة، ما يعني إنهاء «اتفاق الطائف»، ونظامه السياسي، والانتقال إلى دولة المواطنة، حيث يحمي القانون مصالح وحقوق الأفراد، وليس الزعامات الطائفية، وأن تتحدّد العلاقة بين اللبنانيين وفق معايير الوطنية، من دون أهمية لخلفيات الناس الدينية والمذهبية، والانتهاء من دولة المحسوبيات والفساد إلى دولة القانون والمساءلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"