الصين الضعيفة أخطر على أمريكا

02:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

الصين القوية المزدهرة تثير قلق الولايات المتحدة، واستراتيجية الأمن الوطني الصادرة في واشنطن العام الماضي، تعترف بهذه الحقيقة وتوثقها بنص واضح يقول: «إن المنافسة مع القوى الكبرى أي الصين وروسيا (وليس الإرهاب) هي التهديد الأخطر على الأمن القومي في الوقت الراهن».
ومن البديهي والمنطقي على ضوء هذه الحقيقة الافتراض بأن العكس صحيح، أي أن وجود صين ضعيفة باقتصاد ذابل، ونمو متداع سيكون في مصلحة أمريكا ومن دواعي سرورها، إلا أن الواقع يقول إن حدوث هذا السيناريو يخيف أمريكا ولا يسعدها.
قبل أن نوضح لماذا تقلق واشنطن لترنح الاقتصاد الصيني، نشير أولاً إلى التباطؤ الاقتصادي وتراجع معدل النمو في الصين من إلى 6% بعد أن كان قد وصل إلى 16%. وقد عرضنا تفاصيل كثيرة عن متاعبها الاقتصادية الأسبوع الماضي والتي تضمنها تقرير لمجلة «فورين افييرز» الأمريكية.
دارسو التاريخ أكثر من يستوعب خطورة الوضع الذي تمر به الصين ومبررات القلق الأمريكي على ضوء قناعتهم بقاعدة تاريخية، تفيد بأن القوة الصاعدة عندما تفقد زخم اندفاعها تصبح أكثر قمعاً في الداخل وأشد عدوانية في الخارج، ويرى الأمريكيون أن الصين تتجه للسير على هذا الطريق.
عندما تبلغ دولة قمة نجاحها الاقتصادي، يرتفع سقف طموحات مواطنيها. وبعد السقوط في مستنقع الجمود تبدأ المتاعب؛ تتخذ الحكومة إجراءات غير شعبية تثير استياء المواطنين المحبطين، وتحاول الحكومة بدورها السيطرة على غضبهم فتتفجر احتجاجاتهم الهادرة. وهكذا تدخل الدولة في دوامة اضطرابات وفوضى تزيد من تفاقم أزمتها الاقتصادية. وفي محالة لإيجاد حل تسارع بالبحث عن أسواق خارجية جديدة لتصريف منتجاتها والحصول على المواد الخام.
كل هذا يحدث في الصين كما حدث في بلدان كثيرة غيرها.
ويرصد الدكتور مايكل بيكلي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة توفتس الأمريكية، ست حالات لقوى كبرى مرت بنفس الظروف خلال المئة وخمسين عاماً الماضية. الولايات المتحدة نفسها عاشت هذه التجربة في القرن التاسع عشر عندما تعثر نموها الاقتصادي وتفجرت اضطرابات عمالية قمعتها بعنف. خارجياً ضخت استثمارات كبيرة في أمريكا اللاتينية وشرق أسيا وتوسعت في بناء قوة بحرية لحماية مصالحها هناك.
فعلت روسيا نفس الأمر خلال التباطؤ الذي ضرب اقتصادها في نفس القرن واستخدمت القمع لإسكات المحتجين، واحتلت أجزاء من كوريا ومنشوريا. وتجرعت اليابان وألمانيا من نفس الكأس خلال الأزمة التي واكبت الحرب العالمية الثانية وازدادت عدوانية الحكومتين داخلياً وخارجياً.
لم يختلف رد فرنسا كثيراً خلال أزمتها الطاحنة في سبعينات القرن الماضي، إلا أن تركيزها كان على الخارج فكثفت تدخلاتها في إفريقيا ونشرت 14 ألف جندي في بلدانها، وتورطت في نحو 12 عملاً عسكرياً في العقدين التاليين. وكان التدخل الخارجي أيضاً هو ملاذ روسيا لمواجهة انهيار أسعار النفط في 2009 فاحتلت شبه جزيرة القرم في أوكرانيا.
الكابوس الذي يؤرق واشنطن حالياً هو أن تطبق الصين هذا السيناريو، وهناك بالفعل مؤشرات تعزز هذه المخاوف، فقد ضاعفت بكين استثماراتها الخارجية المباشرة ثلاث مرات، وقروضها خمس مرات لتأمين الأسواق والموارد لشركاتها. يتزامن هذا مع نشاط عسكري مكثف حتى أنها دشنت سفناً حربية خلال العقد الماضي أكثر مما تمتلكه البحرية البريطانية بالكامل، وأصبحت لديها منشآت وتسهيلات بحرية في إفريقيا يمكن تحويلها للاستخدام العسكري عند الضرورة.
بالطبع لا يشغل الأمريكيون أنفسهم بالقمع الداخلي، لكن يخيفهم لجوء بكين إلى العدوان الخارجي، لاسيما على جيرانها أو افتعال أزمات معهم أو الضغط عليهم للحصول على مكاسب اقتصادية.
وبما أن التاريخ يكرر نفسه، فإن المغامرات الخارجية التي خاضها السابقون في ظروف مشابهة قد يجربها الصينيون الآن إذا تفاقمت أزمتهم الداخلية، لذلك يقول العقلاء إن الصين القوية أفضل لأمريكا من الصين الضعيفة، أحد هؤلاء العقلاء، وهو الدكتور بيكلي الذي أشرنا إليه منذ قليل، يعتبر أن لحظة الخطر اقتربت لأن الصين ضعيفة لدرجة ألاّ تشعر بالأمن أو الرضى عن وضعها في النظام العالمي، لكنها قوية لدرجة تكفي لتدميره.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"