«كورونا» وتداعياته الجيوسياسية

03:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. خليل حسين

عندما تقرر منظمة الصحة العالمية أن فيروس «كورونا» بات وباءً عالمياً، كتوصيف طبي له آثار وتداعيات تتعدى الواقع الصحي إلى الاقتصادي والاجتماعي، وصولاً إلى السلوك النفسي المجتمعي، ذلك يعني أن الوضع الدولي بات في خطر شديد، كما أن السلم والأمن الدوليين ينذران بمخاطر لا تقل آثارها عن حروب إقليمية وعالمية طاحنة.
ثمة من يرصد انتشار الأوبئة ربطاً بمرور القرون، وهي بالمناسبة ظاهرة لافتة، لكن ليس لها تفسير منطقي، ففي العام 1720 ضرب الطاعون مدينة مرسيليا الفرنسية، وحصد فيها مئة ألف ضحية، وبعد مئة عام أي في 1820 ضرب الكوليرا في الفلبين وتايلند وإندونيسيا، وراح ضحيته أكثر من مئة ألف ضحية. ثم جاء العام 1920 وكان الموعد مع كارثة بشرية أخرى تمثلت بالأنفلونزا الإسبانية التي ذهب ضحيتها مئة مليون وسط عجز عن مواجهتها. اليوم في العام 2020 يغزو فيروس «كورونا» العالم، ويضرب المجتمع الأكبر عالمياً وهو الصين، ويمتد إلى 124 دولة حتى الآن، وباء عالمي يضرب كل قرن، وبالتحديد العام 20، وسط عجز كامل عن تفسير ذلك.!!
هل «كورونا» حرب بيولوجية أطلقت لأهداف محددة، وبالتالي يثار السؤال عن مصدر إطلاقه وتصنيعه والمستفيد منه..؟ في الواقع الحرب البيولوجية تُعدّ أقذر الحروب؛ إذ لا يُرى العدو لمواجهته، ومن يطلقها يتحكم بنتائجها لجهة قدرته على تصنيع المضادات واللقاحات والأمصال لها، لكن السؤال يمتد إلى: ماذا لو أدت إلى نهاية البشرية؟.
فمع انطلاق فيروس «كورونا» من الصين عادت نظرية المؤامرة تطل من جديد، على قاعدة الهمّ الأمريكي لمواجهة الصين في حرب غير تقليدية، فبعد تثبيت العلماء لهذا الفيروس بأنه انتقل عبر الخفافيش أو الأفاعي وعبر المعامل البحثية الأمريكية، والهدف منه القضاء على التفوّق التجاري الصيني، وإضعافها في أي مفاوضات قادمة محتملة، كما أن الأمر سينسحب على روسيا لاحقاً كهدف محدد ثانٍ، كما يعدّ سلاحاً جيوسياسياً الهدف منه القضاء على التنين الصيني، وفي نفس السياق أيضاً وضمن هذه الفرضية ثمة من يدعي بأن واشنطن التي تطور فيروسات جينية في مختبرات جورجيا وأوكرانيا وأوزبكستان هي الأخطر، باعتبار أن هذه الفيروسات خطرها عرقي، وهدفها القضاء على أعراق محددة كالصينيين والروس، وتم إطلاقها من مدينة ووهان الصينية التي تحتضن مركزاً علمياً للتجارب على الفيروسات؛ للتغطية عملياً على ما تديره واشنطن.
في المقابل سرت فرضيات أخرى مقامها سؤال افتراضي عن احتمال تسرب هذا الفيروس من المختبرات الصينية في ووهان، والذي لم يُتمكن من السيطرة عليه. فرضيات أخرى انطلقت على قاعدة أن الفيروس وراءه شركات أدوية تجارية تهدف إلى جني المليارات من وراء الوباء. وما عزز فرضيات نشوء الفيروس في المختبرات، براءة الاختراع الأمريكية في العام 2018، الذي تتشابه تركيبته مع فيروس «كورونا»، وإنتاج فيلم سينمائي عرض قبل ثلاثة أشهر من انطلاق الفيروس، الذي انطلق أيضاً من مدينة صينية. أما الدليل الاقتصادي لأصحاب نظرية المؤامرة فهو المكاسب التي حققها موقع أمازون خلال دقيقة واحدة، والتي تبلغ 13 مليار دولار، بعد الهلع الذي أصاب موقع علي إكسبريس الصيني، علاوة على ذلك، ما نشره علماء هنود عمّا توصلوا إليه من أن الفيروس منشأ مُختبري، وفيه أربع سلالات من فيروس الإيدز.
وبصرف النظر عن صحة نظرية المؤامرة من عدمها، ثمة وباء يجتاح البشرية وجعل دولها محميات مغلقة، بعدما تغنّت لسنوات بالعولمة وفوائدها، ثمة مئات مليارات الدولارات خسائر أولية لضمور الإنتاج والتجارة العالمية والتي ستتحول إلى ركود وكساد كبيرين، تؤدي إلى خلق منافسات غير منضبطة تؤدي إلى نزاعات بين دول سرعان ما ستتحول إلى حروب إقليمية ودولية واسعة. فهل سيتمكن فيروس «كورونا» ذو الحجم الذي لا يتجاوز 150 نانومتراً، من الكرة الأرضية التي تبلغ مساحتها 500 مليون كيلومتر؟.. ربما يكون الأمر كذلك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"