بعد استقالة عرّابها.. ماذا عن الصفقة؟

03:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

أن تسري استقالة المستشار والمبعوث الأمريكي جيسون جرينبلات بعد الإعلان عن صفقة الرئيس دونالد ترامب التي سمّاها بنفسه «صفقة القرن»، فهذا لا يغير كثيراً في المفاجأة التي أثارها خبر الاستقالة يوم الخميس 5 سبتمبر الجاري. فأن يغادر الرجل موقعه بعد الكشف عن الصفقة، يوحي كأنه يعمل بنظام المقاولة، إذ ينتهي عمله بعد إنجاز المتفق عليه، ويقول مسؤولون في الإدارة الأمريكية إنه انضم اليها ليعمل لمدة عامين، وقد عمل قرابة ثلاثة أعوام، وبغير أن يتولى الدفاع عن الصفقة أو حتى شرح ما قد يكون غامضاً أو ملتبساً فيها، وفي ذلك شكل من أشكال النأي عما تسميها واشنطن «الخطة الأمريكية للسلام». وذلك من غرائب عملية إعداد هذه الخطة، التي تطلبت القيام بجولات شرق أوسطية، قام بها جرينبلات برفقة جاريد كوشنر، وقد استمع الرجلان وبقية المرافقين إلى ملاحظات عربية على الخطة، ويشك المرء بأن يكون قد تم الاستئناس بتلك الملاحظات أو الأفكار، فقد دأب الرجلان على الإعلان عن أن الخطة لا تستند إلى حل الدولتين وهو جوهر المطالب الفلسطينية والعربية. بل إن جرينبلات وهو محامٍ لم يتوان عن التصريح بأن الخطة لا تستند إلى قرارات الأمم المتحدة ولا إلى القانون الدولي. وهو من قبيل العجب العجاب، حين يتم إعداد خطة حول قضية ذات بعُدين إقليمي ودولي، مع طرح قرارات المنظمة الدولية جانباً، وهي القرارات التي تعكس توافقاً دولياً واسعاً. أقل ما يوصف به هذا التوجّه أنه يعكس ضيقاً في الأفق، واستخفافاً بالانشغال الدولي بقضية الشرق الأوسط، وسعياً مكشوفاً للانفراد بوضع الخطط من وراء ظهر كل من يهمه الأمر ويعنيه في عالمنا.
وقد زاد الأمر سوءاً مواقف أركان الإدارة الأمريكية ومنهم من كان شريكاً في إعداد الصفقة التي تُظهر انحيازاً صارخاً للاحتلال وتأييداً للغزو الاستيطاني، مما يفتقد الى الحد الأدنى ليس من النزاهة السياسية فقط، بل كذلك من الموضوعية والرصانة. ويتساءل المرء الآن مع قرب غياب عراب الصفقة ومهندسها، عن مصيرها.
يقول مسؤولون في الإدارة الأمريكية إنه تم منذ بعض الوقت دمج الفريق الخاص بالسلام مع فريق إيران في البيت الأبيض، وهو قرار يثير الدهشة إذ إن إيران لا تقع في قلب الشرق الأوسط، أو على حدود «إسرائيل»، ولم تكن يوماً طرفاً في مشاريع التسوية. غير أن هذا الدمج يدل من ناحية أخرى على أخذ إدارة ترامب بطرح نتنياهو حول «السلام الإقليمي» وبما يتعدى معالجة لب الصراع، بل وبالالتفاف والقفز عليه بدعوى التعجيل في حل الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» من أجل التفرغ لمواجهة التحدي الإيراني. علماً ان هذا التحدي يتغذى في بعض جوانبه من بقاء الصراع الشرق أوسطي من دون حل عادل، نتيجة انحياز واشنطن للاحتلال وهو الانحياز الذي اخترق كل الضوابط وأخلّ بجميع التوازنات في عهد الإدارة الحالية.
لا يتعلق الحال فقط بدمج ما لا يُدمج. ففي ضوء علم الإدارة ان جرينبلات لن يمكث طويلا، في مهمته الأساسية وهي تحليل الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» ثم وضع الخطة، فقد عملت على التهيئة لسد الفراغ المنتظر، بمنح مساعد المستشار جاريد كوشنر دوراً أكبر في «فريق السلام» والمساعد المقصود هو: أفي بركوفتز. وهو شخص مقرب من كوشنر وسبق أن عمل معه في مجال العقارات،وفي حملة ترامب الانتخابية عام 2016. والمعلومات الإضافية عنه انه نشأ مثل كوشنر في منزل يهودي أرثوذكسي في نيوجيرسي، وتلقى تعليمه في معهد ديني، وهو ابن عم هوارد فريدمان الذي تولى رئاسة منظمة ايباك بين 2006 و2010. وهي المنظمة الرئيسية للوبي اليهودي في الولايات المتحدة. وتضيف معلومات نشرتها «تايمز أوف اسرائيل» أن بركوفتز أمضى بعض الوقت في «إسرائيل»، ودرس في المعهد الديني «كول هتوراة» في القدس، وواصل دراساته اليهودية في كلية «نير يسرائيل» الحاخامية في بالتيمور ( ولاية ميرلاند).. وأنه يبلغ الثلاثين من عمره.
هذا الشاب بنشأته وخلفيته وبسجل حياته وبتوجهاته الفكرية، وبافتقاده للخبرة السياسية، هو من شارك في وضع الخطة، وسوف يُسند له دور أكبر في فريق السلام بعد مغادرة جرينبلات المتوقعة بعد نحو اسبوعين. وعليه لا يكون مستغرباً أبدا في ضوء هذه المقدمات أن خطة السلام المعروفة بصفقة القرن، قد اثارت تشاؤماً واسع النطاق، وشكوكاً عميقة في مدى جدّيتها وتوازنها، لدى أوساط دولية عديدة قبل الإعلان عنها، ومما يُخشى معه أن تثير توترات جديدة واحتقاناً إضافياً، فضلاً عن عدم قابليتها للتطبيق، وذلك بدل العمل على وضع حلول جدّية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"