عادي
الأجواء الروحانية مسكونة بالبلاغة

محمد البريكي: تعلمت الشعر من الطيور

23:50 مساء
قراءة 3 دقائق
1

الشارقة: علاء الدين محمود

«رمضان في ذاكرة الأيام حنين لا ينقطع للماضي، وحنين متصل إلى القادم، والقلب ينبض فيه حبّاً وشغفاً إلى كل صلةٍ تربطني بشيءٍ اسمه الجمال»، بتلك الكلمات الشفيفة والقريبة إلى الروح، تحدث محمد عبد الله البريكي، مدير بيت الشعر في الشارقة، وهو يسترجع حلاوة وطلاوة أيام شهر رمضان المبارك، الذي يشعل الذاكرة بمواقف وصور شديدة الألق، وهي تبقى حية ما بقي الإنسان على هذه الأرض لأن أثرها شديد في النفس، ووقعها جميل على الروح، فيظل المرء يتذكر مشاهد في الشهر الكريم لا تفارق الوجدان.

يقول البريكي: «كلما عدت بذاكرتي إلى الوراء لا أجد إلا أحاديث لا تغيب أبداً عن ذهني وعقل كل من عاش معي طفولة الحياة في هذا الشهر النابض في عروقي، ومواقف تسكن العقل والقلب معاً، وأناساً لا تزال صورتهم حية على الرغم من أنهم رحلوا، وأناساً نسترجع معهم تلك الذكريات لأنهم بيننا، نأنس لأحاديثهم ونستمتع بمودتهم»، ويشير إلى أن رمضان شهر مختلف وشديد الخصوصية، ومن الطبيعي أن ينتظره الناس كما ينتظر الوالدان البشارة بوصول أول مولود يضيء حياتهما، وينشر في أنحاء قلوبهما فرحة لا يسعها الكون، فهو شهر يأتي بالخير كله، والفرح كله، وأيامه تتلوّن بالسخاء، وتفيض بالعطاء، وهو موسم يستحق الاحتفاء به، خصوصاً على مستوى القراءة والتدبر والتفكر، فمن يقترب من كتاب الله سيجد فيوضات ربانية ملهمة، فلغته تدعو إلى التأمل، وتفتح مدى شاسعاً لرسم لوحات إبداعية تتوشح بدهشة اللغة، وكم من قصيدة ولدت بعد جلسة تأملية مع كتاب الله؛ حيث منجم اللغة وملاذ المحسنات والصور البديعة.

 تمازج وتآلف

وذكر البريكي أن الشعر في الذاكرة الرمضانية كلمات تضيء وتشتعل، موضحاً أنه لا يوجد تعارض أو جفاء في كتابة الشعر في الشهر الكريم كما يتصور البعض؛ بل على العكس من ذلك تماماً، فالقصيدة هي الأكثر تعبيراً عن القيم والمعاني والفيوضات الروحية التي تتنزل على الناس خلال شهر التوبة والغفران، ويلفت البريكي إلى أنه يبدع أكثر خلال أيام رمضان؛ إذ إن هناك تمازجاً وتآلفاً يحدث بين صفاء الشهر الكريم وبين مفردات الشاعر وكلماته، فتحدث خلطة غريبة وعجيبة ومحتشدة بالإبداع والألق والجمال، ويقول: «تستيقظ في خيال الشاعر كل المعاني البديعة والوعي بأن الجمال يحيط بالنفس فيقبل على العمل والناس، وقبل كل شيء على الله رب العالمين».

تلك الأيام

ويعود البريكي مقلباً تلك الأيام من الماضي في حضرة شهر رمضان المبارك، متحدثاً عن بساطة الحياة الخالية من الضجيج بكل أشكاله، مقارنة بما يحدث في الوقت الراهن؛ حيث يغيب الهدوء ويعلو الصخب، في زمن أطلق عليه عصر السرعة؛ لذلك فإن المرء دائماً ما يحن إلى أيام مضت محتشدة بقيم الخير والعطاء والبذل وحب الناس، خاصة خلال الشهر الكريم والذي كانت ساعاته وأيامه تتوزع بين العبادة والاقتراب من المصحف، والابتهال والصلوات، وبين فعل الخيرات وزيارة الأرحام، والالتفات إلى الفقراء، وتبادل عطايا الشهر من طعام مع الجيران، خصوصاً بعد صلاة العصر، فالحركة في هذه الفترة تنشط كثيراً وتدب وكأنك ترى خلايا نحل تنتقل من دار إلى دار، ومن باب إلى باب وهي توزع رائحة الطعام على الطرقات قبل أن تصل به إلى وجهتها، ويشير إلى أن النشاط بالنسبة لهم كأطفال في رمضان كان منحصراً في قراءة القرآن، والصلوات في المسجد، ومعاونة الأهل على أمور الحياة.

ولفت إلى أن البيئة التي عاشها كطفل في ذلك الوقت، كانت محرضة على التعاون، وهي التي علمته الكثير من المعاني الفاضلة، وكان لها الفضل في تكوينه وتنشئته، وحول ذلك الأمر يقول البريكي: «لقد ولدت تحت ظل نخلة، وتعلمت من الطيور على الأشجار الغناء بالشعر، تعلمت كيف أجعل التراب معطاء، وكيف يكون الرمل واحة، وكيف تكون البذرة التي لا تكاد تبدو من بعيد لصغرها شجرة وارفة الظلال ثقيلة الأحمال»، ويوضح البريكي أن الحديث عن عظمة الماضي لا يعني أن كل الفضائل قد انحسرت وتلاشت، ولكنها دخلت ضمن ضجيج الزمن الراهن المكتظ بوسائل التواصل الاجتماعي والهواتف، فقلّت بركتها، فالعالم اليوم لم يعد كما كان في السابق؛ حيث إن العلاقات الاجتماعية قد ضعفت كثيراً، فكادت أن تختفي الكثير من قيم التواصل بين الناس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"