التفاهم الفلسطيني ينبع من الداخل

05:07 صباحا
قراءة 4 دقائق
من تابع التغطية الصحافية اليومية لأخبار وتفاصيل محادثات المصالحة الوطنية التي جرت في القاهرة بين مختلف الفصائل الفلسطينية (وخاصة بين فتح وحماس)، سرعان ما يكتشف، خاصة اذا كانت لديه مصادر وثيقة للأخبار غير الصحف والوكالات، ان أبرز نقاط الخلاف هي الوصول إلى قاسم مشترك في برنامج حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية.

طبعاً هنالك من حاول تأجيل هذا الخلاف، إلى ما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المفترض إجراؤها قبل مطلع العام المقبل، بحجة أن حكومة الاتفاق الوطني لن يكون لديها في الحقيقة أكثر من مهمة واحدة هي إجراء الانتخابات المقبلة والإشراف عليها، إضافة إلى تصريف الأعمال الحكومية الروتينية اليومية. لكن البعض الآخر كان يرى حتمية حل الخلاف، آجلاً أو عاجلاً، فلماذا التأجيل؟

أما نقطة الخلاف الجوهرية في تحديد البرنامج السياسي للحكومة المقبلة، فقد أصبحت معروفة ومتداولة، وهي تدور حول التزامات السلطة الفلسطينية التي وقعت عليها مع إسرائيل (برعاية أمريكية) منذ أوسلو، وحتى يومنا هذا. فبينما تصر حركة حماس على أن أقصى المطلوب هو احترام هذه الالتزامات، فإن حركة فتح ترى أن المطلوب صراحة ودون اي لبس الالتزام السياسي بهذه الاتفاقات، وليس مجرد احترامها، أي أن المطلوب من حماس هو التنازل عن جوهر برنامجها السياسي الخاص.

وقد كان من الممكن الادعاء أو الظن بأن هذا الخلاف هو مجرد مسألة وطنية فلسطينية داخلية، لا دور فيها لأي عوامل او مؤثرات خارجية. لولا ان الأخبار بعد ذلك لم تبق سراً مستوراً، فكشفت عن أن المحادثات الفلسطينية علقت بطلب مصري رسمي لجولة قادمة، ريثما يذهب الوزير المصري عمر سليمان إلى واشنطن، ليستكشف فيما اذا كانت الولايات المتحدة (وإسرائيل طبعاً) مستعدة للتعامل مع حكومة فلسطينية تكتفي بإعلان احترامها لالتزامات السلطة الفلسطينية، وليس الالتزام الصريح بها.

إن في هذه الخطوات الدبلوماسية المتلاحقة معنى شديد الخطورة على القضية الوطنية الفلسطينية، خلاصته أن بوصلة البرنامج السياسي الذي ستلتزم به حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، لا ينبع من استكشاف مشترك لكافة الفصائل للقاسم المشترك الذي تحدده المصالح الوطنية الفلسطينية العليا، بل تنبع من الرغبات المسبقة للإدارة الأمريكية، التي يعرف الجميع (بمن فيهم ابو مازن) أنها تتطابق كلياً مع رغبات إسرائيل.

معنى ذلك بصراحة كاملة أن المطلوب حكومة فلسطينية تحصل سلفاً على رضا أمريكا وإسرائيل، وليس حكومة تخدم المصالح الوطنية العليا للقضية، وفقاً للرغبة السياسية لشعب فلسطين، حتى لو غضبت واشنطن.

إنه مأزق فعلي لا يبدو أن بالإمكان الوصول منه إلى مخرج يخدم القضية الوطنية الفلسطينية، حتى بنظر أكثر تنظيماتها حرصاً على عدم إغضاب واشنطن.

من البديهي، ونحن في العقد السادس للقضية الفلسطينية، أنه لا بد من وضع العامل الأمريكي في الحسبان، ولكن بمعيار ينطلق من خطة لاستمالته نحو الحقوق الفلسطينية، وليس بمعيار نيل رضاه بحل رخيص وكارثي هو التنازل سلفاً عن الحقوق الفلسطينية المزعجة، او عن الجوهري منها، والتمسك بفتات هذه الحقوق فقط.

ولو عدنا إلى الفصيلين الأكبر على الساحة الفلسطينية: فتح وحماس. فقد أصبح واضحاً أمام كل ذي عقل وبصيرة، أنه لا بد لحماس من الاعتراف بأن حتمية العودة إلى أصل القضية عندما وقعت جريمة اغتصاب فلسطين، لا يجوز ان تحجب عن بصرها وعقلها السياسي أن الوضع في فلسطين لم يعد على حاله كما في العام ،1948 وأن مستجدات وتحولات كثيرة طرأت، أهمها ولادة إسرائيل، يعترف بها العالم كله (بمن في ذلك بعض الدول العربية حاليا)، وأن أكثر من خمسة ملايين مهاجر يهودي أصبحوا يشكلون مواطني هذه الدولة على أرض فلسطين، التي أصبحت موزعة بين ما يسمى إسرائيل، وما تحتله هذه الدولة.

هل يعني ذلك الاستسلام للأمر الواقع، طبعاً لا، لكنه أمر واقع لا مفر عند الانطلاق لاستعادة الحقوق الأساسية لعرب فلسطين، من الانطلاق منه لا من واقع متخيل لم يعد له وجود.

أما فتح، والسلطة الوطنية الفلسطينية، فعليها الاعتراف بأن نهج أوسلو في استعادة الحقوق قد انتهى وولى زمانه، وأدى إلى وقوع المزيد من أرض فلسطين المحتلة في براثن حركة الاستيطان الصهيونية، وابتعاد الفرص الحقيقية لقيام دولة فلسطينية جدية.

هل يعني هذا، القفز من الواقع الراهن إلى اندفاعة حماسية مجهولة المصير؟ طبعاً لا، لكنه يقضي حتماً بعودة الأمور في الداخل الفلسطيني إلى نصابها الحقيقي، والانتباه إلى أن زمن تسليم شعب فلسطين لقيادته مصير القضية، قد ولت، وأن المطلوب برنامج داخلي فلسطيني، ينبع أولا من الإرادة الديمقراطية الحرة لجميع الفلسطينيين في العالم، وليس القاطنين في غزة والضفة الغربية فقط، يراعي كل التحولات الواقعية التي طرأت على أوضاع القضية، وينطلق منها إلى برنامج سياسي لاستعادة الحد الأقصى الممكن من الحقوق التاريخية لشعب فلسطين، وذلك عن طريق انتزاع هذه الحقوق بالإرادة السياسية، من واشنطن وتل ابيب، وليس تسولها أو تسول فتاتها، فلا نحصل إلا على منع إسرائيل بالقوة احتفالية اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"