ماذا يجري حولنا؟

04:26 صباحا
قراءة 5 دقائق

جاء عام 2011 صاخباً منذ بدايته فبعد دقائق قليلة من ميلاده حدث التفجير الإجرامي في كنيسة القديسّين في الإسكندرية، وتتابعت الأحداث بعده مقلقة تنذر بأن الجزء الظاهر من كرة الجليد التي تطفو على سطح الماء أقل بكثير مما خفي منها، وبعد ذلك بأيام قليلة جرى الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان ليؤدي إلى ميلاد الدولة 193 في منظومة الأمم المتحدة، ثم كانت أحداث تونس وسقوط النظام القمعي الذي كمم الأفواه وأمسك بقبضة قوية على مقاليد الأمور لما يزيد عن ثلاثة وعشرين سنة، وهي كلها أمور يتأثر بها الاستقرار في المنطقة عموماً، لذلك فإنها تدعو إلى مراجعة أمينة للحسابات ودراسة دقيقة للمواقف بشفافية وأمانة وتجرد، دعونا نرصد الملاحظات التالية:

* أولاً: إن المخاطر الخارجية مهما تفاقمت على بلد معين إلا أن خطورتها لا تعادل القلاقل الداخلية، فالأخيرة سريعة الانتشار شديدة العدوى لأنها تنبع من الجسد ذاته وتصيبه مباشرة، ولقد تعرضت مصر لضغوط خارجية في عصر الرئيس عبد الناصر نتيجة مواجهته الحادة مع قوى دولية وإقليمية في وقتٍ واحد، بينما تزايدت الانتقادات الداخلية وظهرت إرهاصات التوتر في عصر الرئيس السادات، أما الآن فالضغوط خارجية وداخلية في آنٍ واحد إذ سوف تكون على حدودنا الجنوبية مباشرة جمهورية إسلامية متشددة، تليها جمهورية يتزايد فيها النفوذ الغربي والوجود الإسرائيلي بينما قد تتكون على حدودنا الشمالية الشرقية إمارة إسلامية في غزة تحيط بها دولة عبرية تستهدف مصر دائماً وترى فيها الجائزة الكبرى مهما طال الانتظار، لذلك فإننا أمام وضعٍ غير مسبوق يحتاج إلى قرارات رشيدة تقاوم الفقر بقوة وتضرب على يد الفساد بشدة وتحشد المصريين في اتجاه مستقبلهم الصحيح بالديمقراطية الكاملة والطهارة السياسية المطلوبة، وهو أمر يدعونا إلى مراجعة الكثير مما جرى أخيراً على أرض الوطن .

* ثانياً: إن الأغلبية الحزبية الطاغية هي مؤشر حسابي ناجح ولكنها أيضاً مؤشر سياسي خطير لا يعكس صحة المجتمع ولا سلامة الحياة الحزبية فيه، فالأصل في الديمقراطية هو التوازن الضمني داخل المؤسسات النيابية من دون طغيان الأغلبية أو عناد الأقلية، فالمجتمعات العصرية تعيش بالتوازن القائم على القوانين الحديثة لصنع القرار السياسي الرشيد الذي تشارك فيه قوى المجتمع المختلفة بقدر حصة كل منها في الشارع السياسي، ولست أظن أن التفرد علامة صحية بقدر ما هي دليل على خلل في النظام الحزبي القائم .

ثالثاً: إن اختناق المعارضة السياسية في دولة ما يؤدي إلى احتمالات الانفجار غير المحسوب ويفتح أبواب التطاول والعنف بل والتمرد في النهاية، والدروس من تاريخ الأمم وواقع النظم حولنا تؤكد ذلك، فلابد من توافق قرارات النظم مع خيارات الشعوب حتى تكون تمهيداً صالحاً لسيناريوهات المستقبل، فإذا وضعت الغطاء على الإناء وفيه ماء يغلي قد يؤدي ذلك إلى انفجاره إذا لم يكن هناك متنفس للبخار الصاعد، ولا يظن البعض أن المعارضة فيما تكتب أو تقول لا تحقق جزءاً من ذاتها يؤدى إلى درجة من الإشباع السياسي حتى وإن لم تكن له نتائجه الكاملة .

* رابعاً: إن التطرف الديني هو المسئول في رؤيتي على الأقل عن تقسيم السودان وشق صف حركة المقاومة الفلسطينية وإحداث اضطرابات وقلاقل على امتداد خريطة العالم الإسلامي كله، بما صنعه من إيقاظٍ للعداءات النائمة والحساسيات الكامنة فحرض علينا بالعنف والإرهاب حشوداً ضخمة في العالم الغربي كله . . ألسنا نحن المرفوضين أمام التأشيرات؟ المطاردين في المطارات؟ المتهمين عند الاغتيالات؟ المذنبين عند حدوث الانفجارات؟ قولوا لي أين هذا من صحيح الإسلام؟ ذلك الدين العظيم الذي بهر الإنسانية في فجره وضحاه بما قدمه من روحٍ للتسامح واحترامٍ للآخر ورغبة في التعايش المشترك .

* خامساً: إن إغفال إرادة الشعوب أو الاستهانة بمطالبها تشبه إلى حد كبير عملية العوم ضد التيار، لأنها تعني محاولة قهر الإرادة الشعبية وقمع الاتجاهات الإصلاحية وقديماً قال شاعر تونس العظيم أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة . . فلابد أن يستجيب القدر

ولابد لليل أن ينجلي . . ولابد للقيد أن ينكسر

* سادساً: إن مصر نسج بشري يختلف عن سواه لأنها دولة متصلة بلا انقطاع على امتداد آلاف السنين، لذلك فإنها بلد لا يتحمس للعنف ويسعى للتغيير المنظم خصوصاً وأنها تملك أكبر حشد من الموارد البشرية في المنطقة والكفاءات القادرة على طرح منظومة إصلاحية شاملة، بشرط تمكينها من ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن درجة الانصهار الاجتماعي في المجتمع المصري تكاد تكون الأعلى في المنطقة بأسرها، وليعلم المسلمون في مصر أن المسيحيين فيها أو من نطلق عليهم الأقباط هم أهلنا الأصليون بمنطق التاريخ والميراث الإنساني، لذلك فإن اختلاف الديانة لا يستقيم مبرراً أبداً للصدام مع من ينتمون إلى قومية مصرية واحدة ألهمت الدنيا وشيدت الحضارة وصنعت التاريخ .

* سابعاً: إن العالم يتغير من حولنا والدنيا تجري بسرعة أمامنا ولم يعد ممكناً ولا مقبولاً أن نعيش في أطر مغلقة أو نتصور إمكان الاستمرار خارج روح العصر، فالمفردات الجديدة تفرض نفسها بقوة على الساحة السياسية والفكرية ابتداءً من رعاية الأقليات وحماية حقوق الإنسان والاهتمام بالديمقراطية والتنمية البشرية، ودفع عجلة المشاركة مع إعمال مبدأ المواطنة دون النظر للفوارق العرقية أو اللونية أو العقائدية أو الدينية .

* ثامناً: إن التلازم بين التنمية والديمقراطية قضية محسومة، وحتى الدول التي حققت معدلات عالية في النمو الاقتصادي الوطني دون ديمقراطية كاملة افتقدت تلقائياً لمفهوم العدالة الاجتماعية، بحيث اقتصر العائد الجديد على الشرائح العليا من المجتمع بينما ظل الفقر ينهش في أنحاء وطن يغطيه فساد ناجم عن عملية الزواج غير الشرعي بين بعض رموز السلطة ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس المال، بل إنني أضيف إلى ذلك أن المشهد السياسي كله يتأثر بقضية العدالة الاجتماعية والبعد الإنساني في توزيع عوائد التنمية على نحو يخلق حالة من الاستقرار الطبقي ويحقق درجة عالية من السلام الاجتماعي .

* تاسعاً: إن المنطقة تموج حولنا باضطرابات لا تنتهي فاليمن على سبيل المثال بموقعه الجغرافي وأهميته الاستراتيجية الحساسة في منطقتي البحر الأحمر والخليج العربي يدخل مرحلة معقدة من المواجهة مع الإرهاب الدولي الذي يحاول أن يجعل من اليمن باكستان ثانية يرتع فيها تنظيم القاعدة متى شاء وكيفما يريد، كذلك فإن الأوضاع في الجزائر والأردن والمغرب لا تبدو في أفضل صورها فضلاً عن جراح العراق وآلامه وغموض مستقبله، لذلك فإنني أدعي أن العالم العربي يعيش مرحلة ترقب وقلق تعكسه تلك الحالة المتمثلة في الدولة اللبنانية، حيث يبدو الصدام متوقعاً بين أطراف اللعبة السياسية، بينما تحاول الحرب الأهلية أن تطل بوجهها الكئيب على ذلك البلد العربي الرائع .

* عاشراً: إن مشكلات المسيحيين العرب يجب أخذها بالجدية اللازمة والاحترام المطلوب لأنهم شركاء مباشرون في قضايا التغيير والتنمية داخل المجتمعات العربية المتطلعة إلى الإصلاح الجذري والتطور الحقيقي بديلاً عن السياسات الهلامية والشعارات الجوفاء والاستطراد وراء مظاهر الدولة الدينية على حساب الأصول الفكرية للدولة المدنية الحديثة التي نتطلع إليها ونسعى نحوها .

هذه قراءة سريعة في ملفات طارئة بعضها داخلي ومعظمها خارجي، ولكنها تؤكد في مجملها حالة الاستهداف الذي يطوق المنطقة ويعبث في أعصابها الحساسة ومفاصلها المهمة في محاولة لتعطيل التطور وضرب حركة الإصلاح في مقتل وتعويق عملية الانتقال السلمي للسلطة بما يتيح الفرصة أمام من يسرقون حركة النضال الوطني ويركبون موجات التغيير وهم من أشد أعدائه . . تلك هي معضلة العصر التي تتطلب منا دائماً اليقظة والانتباه لأن منظومة الإصلاح تقوم على الرؤية الشاملة والإرادة الكاملة من أجل حياة أفضل لأجيالنا القادمة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"