المغرب ولبنان والاستعصاء الحكومي

03:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
يصطدم كل من رئيس الحكومة المغربية المكلف عبد الإله بنكيران، ورئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري بعقبات تحول حتى الآن دون تشكيل حكومة جديدة في كل من المملكة المغربية والجمهورية اللبنانية. ويتطلع كل منهما للنجاح في مهمته والبرهنة على صمود النظام السياسي المعتمد على الآليات الديمقراطية، أمام التحديات الداخلية، والمنافسة الشرسة بين القوى السياسية المحلية. وكذلك البرهنة على الكفاءة الشخصية، وعلى أهمية التيار السياسي الحزبي الذي يقوده كل منهما. ولأن التجربتين اللبنانية والمغربية ترتديان، عربياً، أهمية خاصة في التسيير الديمقراطي، فإن التطورات المتعلقة بتشكيل الحكومتين، تستوقف المراقب. فقد جرى تكليف بنكيران يوم الثالث من نوفمبر بعد تصدّر حزب العدالة والتنمية ب 125 مقعداً في الانتخابات النيابية التي جرت يوم السابع من أكتوبر الماضي. وهي ثاني انتخابات تقع بعد إصلاحات دستورية جرت في المغرب عام 2011 على إيقاع موجة الربيع العربي، وبموجب هذه الإصلاحات يُكلّف رئيس الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، بتشكيل الحكومة.
وقد قاد بنكيران الحكومة خلال السنوات الخمس الماضية، وجرى تكليفه من العاهل المغربي محمد السادس بتشكيل حكومة ثانية. في حكومته السابقة ائتلف حزب العدالة والتنمية مع حزبي «الاستقلال» و«التقدم والاشتراكية»، وهو ما يحدث في هذه المرحلة، فالحزبان أبديا الاستعداد للمشاركة، لكن التشكيلة الحكومية تحتاج إلى طرف إضافي لضمان الحصول على أغلبية في مجلس النواب (198 مقعداً من جملة المقاعد النيابية ال 395) ، وقد دارت مؤخراً مشاورات مع حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» بقيادة إدريس لشكر الذي فاز بعشرين مقعداً، واشترط هذا الحزب لمشاركته في الحكومة أن يترأس أحد نوابه مجلس النواب، وهو ما اعتبره بنكيران وحزبه شرطاً تعجيزياً يخلو من المنطق السياسي.

في لبنان جرى تكليف سعد الحريري رئيس تيار «المستقبل» يوم 3 نوفمبر بتشكيل الحكومة بعد مشاورات ملزمة قام بها رئيس الجمهورية ميشال عون، وبعد ثلاثة أيام من انتخاب الأخير رئيساً للجمهورية بدعم من سعد الحريري وكتلة تيار المستقبل النيابية (يتم انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان من المجلس النيابي). باستثناء كتلة حزب الله النيابية، فقد سمّت أغلبية الكتل سعد الحريري لترؤس الحكومة. يبدو الحريري متحمساً لتشكيل حكومة، وبعد ثلاثة أيام من تكليفه كان قد توصل إلى تشكيلة مبدئية شبه نهائية عرضها على الرئيس عون، لكن الاعتراضات والمطالب من هنا وهناك لم تلبث أن برزت، وأوقفت تشكيلاً سريعاً كان يمكن أن يوافق عليه رئيس الجمهورية. المنازعات تدور حول وزارات سيادية، وكذلك يجري التنازع حول وزارات خدماتثمة خشية من أن تطول المشاورات من أجل إفشال الرئيس المكلف، ويعيد البعض التذكير بأن الحريري احتاج إلى خمسة أشهر في العام 2009 لتشكيل حكومته. وكان الحريري مفعماً بالأمل بأن ينجح بتشكيل حكومته مع احتفالات عيد الاستقلال التي صادفت يوم 22 نوفمبر. أما رئيس الحكومة الحالي تمام سلام فاحتاج إلى عشرة شهور قبل أن تخرج حكومته إلى النور.

أما في المغرب فيتوقع رئيس حزب الاستقلال حميد شباط أن يستمر الفراغ الحكومي حتى مطلع العام المقبل 2017، ويعزو استقلاليون إضافة إلى مناصري حزب العدالة والتنمية، تأخر تشكيل الحكومة إلى عقبات يضعها حزب الأصالة والمعاصرة (102 مقعد) عبر تحريض بعض الأحزاب وحتى الضغط عليها للعزوف عن المشاركة في الحكومة.
وإذا كان تأخير تشكيل الحكومات في لبنان يعتبر أمراً مألوفاً، وإن كان يشي بأزمة سياسية ناشئة في كل مرة وتختلف طبيعتها بين استعصاء وآخر، فإن الأزمة في المغرب تعتبر أمراً طارئاً، فالتجربة الديمقراطية ومعها بالذات الإصلاحات الدستورية تتعرض لامتحان عسير يواجه مختلف مكونات الحياة السياسية.

من المفارقات أن حزب العدالة والتنمية ساهم من جانبه ببروز هذه الأزمة، التي وقع هو نفسه في شباكها، فقد سارع بنكيران عقب فوز حزبه بالانتخابات بالإعلان عن أنه منفتحٌ على الائتلاف مع جميع الأحزاب من أجل تشكيل حكومة، باستثناء حزب الأصالة والمعاصرة، وقد رد هذا الحزب على «التحية» بمثلها. بينما الذي يحدث في الديمقراطيات هو إعلان الحزب الفائز عن مبادئ وتوجهات عامة، والاستعداد للعمل بموجبها مع سائر الفرقاء المدعوين حُكماً للائتلاف، وليس إعلان موقف سلبي إزاء حزب بعينه.


محمود الريماوي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"