النوخذا العُود الشيخ سعد العبدالله

04:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

رأيت الشيخ سعد العبدالله، رحمة الله عليه، آخر مرة في مطعم هندي منذ أربعة أعوام ونيّف في لندن، ومعه شخصان، من دون أية أبهة وفي منتهى البساطة، كان يتناول طعام الغذاء بجوار طاولة الطعام التي كنا نجلس عليها أنا وصديق لي. وعندما ألقينا عليه التحية حاول القيام من مقعده بمعاونة أحد رفاقه باشاً ومرحباً، وقلنا له إننا من الإمارات وأحببنا أن نسلم على سموه، فازدادت على وجهه البشاشة وحيانا بأحسن تحية.

تأكدنا عندها، أن هذا الرجل كما كنا نسمع عنه، قيادي من الطراز الأول، والقيادي الحق من يكون في مكان عل جاهاً ومنزلة، ويشعرك بأنك أنت أيضاً كبير في حضرته.

كان الشيخ سعد يتحلى بصفات والده حاكم الكويت الكبير عبدالله السالم، الذي حصلت الكويت في عهده على الاستقلال في عام ،1961 وعلى يد هذا الشيخ، برز أول بلد خليجي يخرج من التقليدية في الإدارة، ويؤسس نظاماً قائماً على المؤسساتية المدنية في العمل الإداري وفي النظام السياسي، حيث قام في الكويت أول برلمان منتخب في تاريخ هذه المنطقة، وذلك وسط بيئة عربية موحلة، تسودها العسكرية وثقافة التسلط وبرنامج الشعارات الهيجانية، وعلى يد هذا الشيخ الجليل، عبدالله السالم، احتلت الكويت المنزلة اللائقة بين الدول ذات الاتجاه السياسي المعتدل والايجابي والديمقراطي في المنطقة العربية، منذ الاستقلال في الستينات من القرن الماضي.

وبالرغم من أن الشيخ سعد العبدالله لم يتول الحكم المباشر بعد والده، لكنه ظل في الصدارة من رجال الكويت وقيادييها، وأصبح ولياً للعهد ورئيساً للوزراء في العقود التي تلت رحيل والده، وبالتحديد عام 1978. وساهم الشيخ سعد في وضع البرامج التي جعلت من الكويت بلداً يتسم بالرقي الاجتماعي والاقتصادي، وشهدت الكويت نمواً وازدهاراً افتقدته كثير من أقطار الشرق الأوسط.

وقد عمل الشيخ سعد وهذه هي الميزة التي رفعته عالياً على ترسيخ المبادئ الديمقراطية في الكويت، وكانت سياسته قائمة على خلق الموازنة بين دعوات الراديكالية في الوطن العربي، والتي تأثرت بها بعض الفئات في الكويت، وبين حركات الاعتدال في الاتجاه السياسي التي تمثلها معظم أقطار الخليج العربي، وكان رحمه الله واسع الصدر، واستطاع أن يمتص الهيجانية التي كانت تمثلها الراديكالية الكويتية والقوميون العرب المتأثرون بالمبادئ البعثية. ومن يتابع سيرة هذه الشخصية، يجد الشيخ سعد ذا مواقف سياسية معتدلة ومسايرة باللين والصبر في مجالس الأمة التي توالت على الكويت بين السبعينيات وأواخر التسعينيات من القرن الماضي، ويجد أن الشيخ سعد كان حريصاً على خلق توازن واعتدال بين الفئات المتصارعة سياسياً في الكويت وفي العالم العربي. وبفضل الشيخ سعد وحنكته السياسية، استمر مجلس الأمة الكويتي يتبنى سياسته الليبرالية والدستورية، واستطاع الشيخ سعد أن يوجد بين البرلمانيين الكويتيين، الفئات المعتدلة التي تقف ضد التطرف والراديكالية المتشددة، ويجعل ميزان القوى يميل إلى المعتدلين الكويتيين، ويصيب الراديكاليين الفشل في مواقف كثيرة.

وعندما نشبت الحرب العراقية الإيرانية التي كان النظام العراقي معتدياً فيها، وبالرغم من الهيجان الراديكالي في الكويت لصالح النظام العراقي، ظل الشيخ سعد مصراً على اعتداله وتوازنه الذي أخذ مصلحة الكويت بعين الاعتبار قبل أية مصالح أخرى.

وجاء الاعتداء على الكويت من قبل النظام العراقي البائد عام ،1990 وإقامة حكومة كويتية في المنفى، ليبرز الشيخ سعد العبدالله نوخذا ماهراً لقيادة سفينة المقاومة الكويتية، والعمل على دحر المعتدي بكل وسيلة، وكان أول عمل بارز يعمله الشيخ سعد هو لم الشتات الكويتي الذي كان مذعوراً مما وقع عليه، والتنسيق بين الكويتيين في كل مكان وجدوا فيه، وكان اجتماع السعودية الذي شارك فيه الكويتيون مسؤولين وأفراداً، وتعاهدوا فيه على التضامن عاملاً أساسياً في فشل الاحتلال والتأثير على نفسية العدو وخططه.

وعندما عاد الكويتيون إلى وطنهم بعد التحرير، لم يكن الشيخ سعد العبدالله أقل حماساً من أي كويتي آخر لاستمرار الحياة النيابية في الكويت، وبذلك أثبت هذا الرجل الخيّر أنه يقف في صف كبار القياديين في العالم المتحضر.

لقد رحل هذا النوخذا العود في وقت عصيب تزداد الحاجة فيه إلى أمثاله من القادة في منطقة الخليج، القادة المناضلين من أجل أن يكون الخليج واحة خير وأمان ينعم فيها الإنسان بالعيش الكريم البعيد عن آفات القهر والتسلط وسوء الحال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"