تداول السلطة وفصل السلطات

03:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

تشكّل معالجة حالات عدم الرضا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أحد أركان استقرار الدول، حيث إنه من المعروف أن استقرار الدولة يحتاج إلى منظومة ولاء وطاعة، تحكمها المصالح العامة، وهو ما يمكن التعبير عنه ب «العقد الاجتماعي»، الذي يضمن مصالح الجماعات والأفراد في المجتمع، ويحدد تلك المصالح عبر الدستور والقوانين، وكلما كان الدستور مصاناً، ومعبرّاً عن مصالح مختلف الفئات، كلما ازدادت مقومات الاستقرار قوّة، وهي الحالة التي تسمح فعلياً بتجاوز الأزمات الطارئة، ونشوء بيئة صالحة لازدهار مناحي الحياة كافة.
إن معالجة حالات عدم الرضا تخضع إلى طبيعة النظام السياسي السائد، ففي الدول الديمقراطية ثمة أطر سلمية وفعّالة لتعبير الفئات الاجتماعية عن أزماتها وتطور حاجاتها، ولإعلان تذمرها من أوضاعها، ومن بين تلك الأطر النقابات التي تدافع عن مصالح منتسبيها في وجه أصحاب الأعمال، عبر أشكال متعددة، من مثل التظاهر والإضراب والتفاوض، وكل تلك الأشكال الاحتجاجية مكفولة دستورياً، أي وفق العقد الاجتماعي الناظم لعلاقة المجتمع بالدولة.
لقد تجاوزت الدولة الديمقراطية مبدأ الغلبة، وبنت مفاهيم مختلفة عن السياسة والاجتماع، حيث إن تداول السلطة سلميّاً يتيح لمختلف المتنافسين الوصول إلى الحكم، عبر برامجهم السياسية والاقتصادية والخدمية، كما يتيح حجب الثقة عن الحكومة نفسها في حالات كثيرة، واللجوء إلى صناديق الاقتراع، من أجل تجاوز الأزمات السياسية، وبالتالي فإن عدم احتكار السلطة، وخلق آليات تمنع احتكارها، أوجدا حالات استقرار كبيرة في الدول الديمقراطية، في ظل المشاركة الواسعة للمواطنين في اختيار من يصل إلى السلطة التنفيذية، كما يتيح لهم آليات محاسبة هذه السلطة، أو عدم تجديد الثقة لها في الانتخابات المقبلة، إذ لا توجد ثقة أبدية، وإنما ثقة قائمة على برامج محددة، ولمدة زمنية محددة.
ومنذ أن وضع المفكر الفرنسي شارل مونتسكيو (1689-1755) مؤلفه الشهير «روح القوانين»، تطوّر الجدل السياسي والحقوقي حول فصل السلطات الذي نظّر له مونتسكيو، وطالب به، وأوضح رؤيته له، حيث أوضح ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وقد أصبح فصل السلطات أحد المبادئ الرئيسية للنظم الديمقراطية، حيث تحدّد مهام كل سلطة، وتمنع هيمنة السلطة التنفيذية على التشريع والقضاء.
إن الدول الوطنية في العالم العربي، بعد خروج الانتدابات، عرفت معظمها نشوء السلطات الثلاث، بأشكالها الحديثة (حكومة، برلمان، قضاء)، كما عرفت قوانين انتخابية، لكن من الناحية الواقعية، فإن الدولة الوطنية العربية بقيت مثالاً لدولة الغلبة، حيث تسيطر فئة حزبية/ سياسية ما على الحكم، وعلى أدواته التنفيذية، خصوصاً قطاعي الجيش والأمن، كما تقوم بوضع دساتير تسمح لها بالاستمرار في الحكم، وتمنع وصول معارضيها إليه، حتى أن تغيير الحكم يصبح عملية معقدة، قد تؤدي، في لحظات معينة، ووفق سيناريوهات محّددة، إلى هدم الدولة والمجتمع معاً.
إن أهمية الدستور، في البلدان الديمقراطية، تكمن، في أحد أوجهه، في قدرته على تحقيق المواطنة المتساوية بين جميع أفراد الشعب، وتغدو مهمة السلطات التنفيذية تحقيق احتياجات شعبها، أي أنها تتحوّل إلى خادمة للدولة والشعب في الوقت نفسه، من دون أن يكون لها أي منّة على أحد، بل على العكس من ذلك، فإنها عرضة في أي وقت للمحاسبة على تقصيرها.
في معظم دول العالم العربي، قبضت السلطة السياسية على السلطة التنفيذية، وجعلتها فوق المحاسبة، إلا في حالات نادرة، بل إن السلطات التنفيذية امتلكت حق إصدار المراسيم من دون العودة إلى مجلس الشعب، فضمن بعض صلاحيات رأس السلطة التنفيذية، في بعض الدول العربية، إصدار المراسيم خلال فترة انعقاد مجلس الشعب، أو خارج تلك الفترة، وحتى عند حلّه، وفي كثير من الأحيان تكون تلك المراسيم متعلقة بقضايا حسّاسة، ومحل خلاف مجتمعي.
لقد لحظت الكثير من الدساتير العربية حقوق الأفراد والجماعات ضمن موادها، لكن تلك الحقوق بقيت مجرد مواد دستوريّة، لا معنى واقعياً لها، فحيت تستطيع السلطات التنفيذية تجاوز السلطتين القضائية والتشريعية، تصبح سلطة فوق الجميع، ولا يكون بالإمكان الدفاع عن حقوق الأفراد أو الفئات المتضررة، ناهيك عن سيطرة السلطة التنفيذية على وسائل الإعلام، وبالتالي خنق أي فرصة للتعبير عن المظالم، أو رفع الصوت بالمطالبة.
إن غياب تداول السلطة، والإصرار على هيمنة السلطة التنفيذية، في معظم الدول العربية، جعلا حالات عدم الرضا تتفاقم، وتتحول في بعض الأحيان من جمر تحت الرماد إلى عاصفة تجرف معها كل مقومات الدولة والمجتمع، وتسرق أمل الشعوب بحياة حرّة وعادلة وكريمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"