لحظة الإهمال والغفلة

01:20 صباحا
قراءة دقيقتين

ما من مصيبة ألمّت بإنسان إلا وتركت جرحاً وأثراً لا تمحوه الأيام، مهما تقلبت ومهما حملت من أفراح، فكيف إذا كانت المصيبة فقدان طفل بسبب إهمال والديه؟ الكارثة تكون مضاعفة والجرح لا يلتئم لأن عقدة الذنب لا تغادر الأبوين وتقلب حياة الأسرة رأساً على عقب.
الإهمال الذي لطالما تحدثت وحذرت منه الأجهزة الشرطية، خصوصاً مع اقتراب فصل الصيف ومع ارتفاع درجات الحرارة واشتداد الحر، ما زلنا نجد من يقع في فخّه، ويدفع وأسرته الثمن غالياً. إذا كان المثل يقول «درهم وقاية خير من ألف علاج»، فدرهم الوقاية من ترك الأطفال وحدهم في السيارات المغلقة في الحر، أو تركهم يلعبون على الشواطئ بلا رقيب، خير من ألف ندم وقهر وعذاب ضمير، حيث لا ينفع الندم ولا يعيد طفلاً إلى الحياة.
مؤسف ألا يستوعب كل الناس، الدرس ويتعظون دون المرور بالتجربة المرة، وأي مرارة، علقم لا يزول طعمه مهما مر الوقت! مؤسف أن تتكرر أخطاء ترك الأطفال في السيارات وهي مغلقة، بينما درجة الحرارة تتجاوز الأربعين، ولا يسمعون ولا يستجيبون لكل نداءات الشرطة بضرورة توخي الحذر؛ لأن 10 دقائق فقط كفيلة بالتسبب باختناق الطفل، خصوصاً أن الإغلاق يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة المركبة المغلقة لتصل إلى 60 درجة مئوية، ما يعرض الصغير لما يعرف بالصدمة الحرارية، كما أن ترك المحرك في حالة التشغيل من أجل استمرارية تبريد السيارة يشكل خطراً أيضاً من ناحيتين: احتمال لعب الطفل بناقل الحركة والمقود، وهو ما يحصل كثيراً من باب الفضول وتقليد الكبار، كما يتسبب المكيف وهو في وضع التشغيل دون تحريك المركبة ولفترة طويلة، في انبعاث غازات سامة.
كل الإرشادات والتعليمات والمناشدات ليست جديدة علينا؛ بل تتكرر في كل موسم بداية ارتفاع الحرارة، على أمل أن ينتبه الجميع ونصل إلى مرحلة «صفر صدمة حرارية»، وصفر إهمال، لكن الحوادث تعود لتحرق القلوب ويذهب الأطفال ضحايا إهمال لحظة وغفلة.
نفس التحذيرات توجهها الشرطة للأهالي ومرتادي الشواطئ مع بداية الموسم، ونفس الخطأ يرتكبه بعض المنشغلين عن صغارهم، سواء أثناء السباحة أو بتركهم يلعبون على الشاطئ والانشغال بالهواتف ومواقع التواصل، ليس كثيراً أن تكون رعاية الأطفال أولوية تذوب أمامها كل الاهتمامات والانشغالات لدى أولياء الأمور ومن يتولون رعاية الأطفال.
 ليس كثيراً أن نحفظ التعليمات ونضعها نصب أعيننا أينما تحركنا خارج المنزل ومعنا صغار نتحمل مسؤولية حمايتهم من أنفسنا ومن لحظة الإهمال والغفلة. وليس كثيراً أن نتحدث مع أطفالنا عن مخاطر اللعب بين السيارات أو التسلل خلسة إلى السيارة، خصوصاً أن المركبات الحديثة ذاتية الإغلاق وقد يرتبك الطفل ولا يعرف كيف يعيد فتحها للخروج منها.
 القليل من الوعي والحذر، خير من ألف ندم وحسرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"