حكاية جمعية حقوق الإنسان

01:25 صباحا
قراءة 5 دقائق
تعرضت جمعية حقوق الانسان في الآونة الأخيرة إلى هجوم صحافي ومجتمعي غير مبرر ولا يخدم أي غرض سوى الإساءة للعمل التطوعي ومؤسسات المجتمع المدني في الإمارات. لقد كانت صورة جمعيات النفع العام في الإمارات بائسة وأصبحت أكثر بؤساً بعد الخلافات الشخصية المتفاقمة بين أعضاء مجلس إدارة جمعية حقوق الإنسان التي أراد البعض وأدها قبل أن تكمل عامها الثاني. وكانت معنويات القلة القليلة من أبناء وبنات الإمارات الناشطين في هذه الجمعيات دائماً محبطة وأصبحت أكثر إحباطاً بعد الضجة الإعلامية والأحكام المتسرعة التي طالت جمعية حقوق الانسان. كما كانت جمعيات النفع العام تعاني من الوصاية الخانقة وبسبب أحداث جمعية حقوق الانسان أخذ البعض يطالب بالمزيد من الوصاية الرسمية في الوقت الذي تحتاج فيه هذه الجمعيات لتأكيد استقلاليتها لتحقق أهدافها التطوعية النبيلة. أكثر من ذلك كان التقدير المجتمعي لمؤسسات المجتمع المدني متدنياً جدًا، وأصبح أكثر تدنياً بسبب الأخطاء الادارية التي ارتكبت من قبل أعضاء مجلس إدارة جمعية حقوق الانسان. مهما كانت الهفوات التي ارتكبت فإنها لا تبرر لقول البعض جهلا إن جمعيات النفع العام تحولت إلى جمعيات للضرر العام ولا تؤسس لنحر جمعية حقوق الانسان التي تعرضت لمعاملة قاسية من قبل من ليس لهم علاقة بالعمل التطوعي في الإمارات. القسوة التي تعرضت لها جمعية حقوق الانسان وغيرها من جمعيات النفع العام في غير محلها. مثل هذه القسوة تستغل عادة من قبل النفوس الضعيفة لوأد العمل التطوعي والوطني وتصفية حسابات شخصية وتحقيق اجندات غير وطنية وامجاد غير مستحقة.لا شك أن هناك حاجة ماسة لوقفة عاقلة ومراجعة هادئة ليس لمسيرة جمعية حقوق الانسان القصيرة فحسب بل لمجمل تاريخ ال 120 جمعية من جمعيات النفع العام التي تضم أكثر من 20 ألف عضو عامل ومنتسب يساهمون بوقتهم وجهدهم لتعزيز وجه الإمارات الحضاري عبر العمل التطوعي. هؤلاء جميعاً يستحقون التقدير للدور الحضاري والوطني الذي يقومون به تطوعاً ومن دون توقع أي عائد مالي وشخصي من خلال جمعيات النفع العام التي تعتبر واحدة من أهم المكتسبات الوطنية لدولة الإمارات. هذه الظاهرة التطوعية تستحق الدعم كل الدعم، والإمارات هي حتماً أفضل حالاً بوجود جمعيات نفع عام نشطة ومستقلة ترفد العمل الرسمي بالعمل المجتمعي. والمؤكد أن الدولة بحاجة إلى عشرة أضعاف العدد الراهن من مؤسسات المجتمع المدني. والمؤكد أيضا أن الإمارات بحاجة إلى مرحلة جديدة من الحماس الوطني لتستعيد تألقها في العمل التطوعي المحبط والمتعثر حالياً. لذلك مهما كانت الأخطاء والهفوات في الممارسة لا ينبغي المشاركة بأي شكل من الأشكال في وأد مبدأ العمل التطوعي والحد من نمو المجتمع المدني والنيل من الذي يؤدي دوره الحضاري والمجتمعي. لقد تأسس العدد الأكبر من جمعيات النفع العام في الإمارات خلال مرحلة الحماس الوطني عند تأسيس الدولة الاتحادية في عقد السبعينات من القرن الماضي. لكن ولأسباب عديدة منها الوصاية الرسمية وغياب الدعم المالي ومغريات الحياة المرفهة في الإمارات، تراجع الإيمان بالعمل الوطني وحدث عزوف تجاه العمل التطوعي وتوقف نمو المجتمع المدني خلال ال 15 سنة الأخيرة فيما عدا اشهار جمعيتين يتيمتين جاءتا في الوقت الضائع هما جمعية الصحافيين التي مرت بمرحلة عصيبة من الخلافات الداخلية، وجمعية حقوق الانسان التي تعرضت لقسوة ما بعدها قسوة في الآونة الأخيرة.كانت جمعية حقوق الانسان واحدة من أهم المطالب الوطنية وجاء تأسيسها كمكسب وطني وسياسي ضخم لا يجوز التفريط فيه على الاطلاق. لكن بعد مرور أقل من سنتين على قيامها يأتي أداء هذه الجمعية متواضعاً كل التواضع. فلم تساهم الجمعية في رفع الوعي الحقوقي في المجتمع. ولم تتمكن من ادخال موضوعات ومبادئ حقوق الانسان في المقررات الدراسية والجامعية لنشرها بين الجيل الجديد من أبناء وبنات الإمارات. ولم تصدر الجمعية التقرير السنوي الذي يرصد بموضوعية وجرأة ومن دون تهوين أو تهويل لمستجدات واتجاهات حقوق الانسان في الإمارات. ولم تسجل الجمعية أي موقف حقوقي شجاع تجاه بعض الممارسات التعسفية في مجال حرية الرأي والتعبير والفكر. ولم تحقق الجمعية أي حضور مجتمعي مثير للانتباه والتقدير والاحترام. ولم تعمل الجمعية على اصدار أي كتاب أو كتيب مرجعي وموثق حول حقوق الانسان بمنظور وطني. كما لم تعقد الجمعية منذ تأسيسها ندوة فكرية دسمة ولم تستغل مناسبات حقوقية عالمية مهمة لنشر الثقافة الدستورية والمعرفة الحقوقية في مجتمع حديث العهد في العمل في مجال حقوق الانسان. بدلاً من تحقيق هذه المهام الملحة قلصت الجمعية عملها في بند واحد ووحيد ثم فجأة دبت خلافات شخصية عقيمة بين أعضاء مجلس إدارتها الذي لم يعقد أي اجتماع له خلال الخمسة أشهر الأخيرة. في المعركة الداخلية التي تفاقمت بين أعضاء مجلس ادارة الجمعية لا يوجد بطل ولا يوجد طرف منتصر، كما لا وجود لمن هو أقل أو أكثر وطنية. تواضع سجل الجمعية يتحمل مسؤولياتها الإدارية والأخلاقية كافة أعضاء الجمعية الحاضرين منهم والغائبين والمغيبين. الشلل الذي أصاب مجلس إدارة جمعية حقوق الانسان فتح الباب على مصراعيه للعمل الفردي بدلاً من العمل الجماعي. كما أدى استسلام أعضاء مجلس الإدارة للعمل الفردي إلى مصادرة الجمعية ودفعها للتركيز على حقوق العمال بدلاً من حقوق الإنسان. ورغم أهمية ملف العمالة الوافدة إلا أن جمعية حقوق الانسان في الإمارات لم تؤسس لغرض الدفاع عن حقوق العمال فقط وكأنها الفئة المظلومة الوحيدة في المجتمع. من يود الدفاع عن حقوق العمال وهو عمل إنساني وحضاري مهم ومشروع يمكنه أن يؤسس جمعية خاصة بذلك. حقوق الانسان شأن، وحقوق العمال شأن ثان، كما أن حقوق الانسان بمنظور وطني شأن ثالث. فالمؤكد أن هناك بعداً وطنياً وآخر عالمياً في حقوق الانسان التي تتسع وتنكمش وفق الاجندات المختلفة. وفي الإمارات هناك حقوق مشروعة للمواطن في وطنه الذي يوشك أن يختطف، وفي هويته التي أصبحت مهددة، وفي مستقبله الذي أصبح غامضاً كل الغموض. وللمواطن في الإمارات حقوق سياسية وأخرى مدنية كالحق في المشاركة والتنظيم وحقه الانتخابي المؤجل علاوة على حقه في مجلس وطني منتخب بصلاحيات تشريعية تزيد من تألق الإمارات. كان من باب أولى أن تركز جمعية حقوق الانسان في سنواتها التأسيسية الأولى على حق المواطن أولا وترسخ أقدامها في الواقع المحلي ثم تذهب بعد ذلك إلى الوافد بنفس انساني. من دون أجندة وطنية واضحة لا يمكن نجاح أي جمعية من جمعيات النفع العام وفي المقدمة منها جمعية حقوق الانسان التي جاءت لتبقى وتستمر وتتجاوز ولادتها العسيرة الراهنة[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"