عجز أم تراخٍ عالمي؟

03:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبيد
لا يستطيع المتابع للشؤون الدولية على اختلافها، والأزمات العالمية على تعددها ورقعة انتشارها، إلا أن يقف حائراً أمام إيجاد تحليل أو حتى مجموعة تحليلات مبنية على المنطق، للصورة العامة التي وصلت إليها الأوضاع على أكثر من صعيد، ولعل ذلك ناتج عن لا منطقية هذه الأحداث، أو فوضويتها، أو حتى تحولها في المرحلة الحالية إلى جملة من التفاصيل المهملة أو المملة .
العالم الحديث يمر بأصعب التحديات التي قد تواجه البشرية مثلها أو أصعب منها في المستقبل، إذ تمور به الأحداث والتطورات والتحديات، راسمة خريطة متشابكة ومعقدة، مبنية على تعدد مصادر التهديد والأخطار، وتنوع أشكالها، وتوسع دوائر تأثيرها مغطية الكرة الأرضية، ومسدلة عليها ستاراً أسود كالحاً يعبر عن مدى مأساوية ما وصلت إليه الأوضاع .
هل هو عجز أم تراخٍ عالمي عن المواجهة الشاملة متعددة المستويات؟ أم أنه مجرد انعدام القدرة على مجاراة التطورات والأزمات والكوارث المتسارعة التي لا تنكفئ، ولا تفتأ تتوالد وتتكاثر بسرعة جنونية؟ أسئلة تنطلق كل لحظة صادرة عن المبتلين بالمآسي البشرية المتنقلة، والغارقين في البحث عن ضوء في نهاية النفق .
لعلها حالة ملتبسة بين العجز والتراخي، ذلك أن المواجهة العالمية لكل هذه التحديات أثبتت أن كثيراً منها لا تقع ضمن اهتمامات القوى العظمى، أو على الأقل لا تشكل أولوية رغم فداحة آثارها، ما يحمل على زعم أن ما يحدث هو تراخٍ عن المواجهة، وعلى الجانب الآخر فإن التحديات المدرجة على أجندة تلك القوى وسلم أولوياتها، لا تبدو في طريقها إلى حل وشيك، أو تخفيف آثارها على الأقل، نتيجة العجز عن الحسم وإيجاد حلول ناجعة وواقعية .
فيمَ ينشغل العالم حالياً؟ سؤال صغير تنطوي إجابته على كم هائل من التفاصيل، فبدءاً من التهديد العالمي الذي بات تنظيم إرهابي دموي تدميري يسمى "داعش" مصدراً له في المنطقة العربية والعالم، مروراً بتصاعد سخونة المواجهة بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة وروسيا على أكثر من صعيد، وحالة انعدام الاستقرار التي تمر بها الكثير من الدول الباحثة عن إرساء نظمها السياسية، وانتهاء بالأوبئة القاتلة مثل إيبولا وكورونا وأخواتهما التي تفتك بالشعوب الفقيرة والمتخلفة، والكوارث الطبيعية التي تضرب هنا وهناك على شكل زلازل أو براكين أو أعاصير، تبدو الإجابات أكثر من أن تحصى أو تحصر في إطار واحد، ويبدو الوصول إلى تحقيقها وتلبية متطلبات التغلب عليها أمراً يفوق المستحيل .
العالم يغرق شيئاً فشيئاً في فوضى التفاصيل والملفات الكبرى، ورغم ما يحمله ذلك من تحدٍ وجودي غير مسبوق، إلا أنه قد يفتح نافذة أمل وفرصة، تنتظر من أصحاب القرار وقادة النظام الدولي الجديد الآخذ بالتشكل، أن ينفتحوا عليها ويتلقفوها بحرص وإرادة سياسية للعمل والمواجهة، خصوصاً وأن لا أحد محصن من آثار هذا الوضع الكارثي .
ورغم أن الأجواء المشحونة بالتوتر في العالم لا تشي بإمكانية تعاون فاعل بين القوى المختلفة، إلا أن ذلك لا يمنع من المطالبة بالتعاون والتكاتف والتلاقي على أهداف عامة تضع الأجندات الخاصة جانباً لبعض الوقت، على الأقل، ومن ثم يعود كل صاحب مصلحة إلى البحث عن تحقيقها، بعد تطويق جزء من آثار الأزمات الكبرى .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"