عادي

«برلين ــ 2».. هل ينقذ ليبيا؟

22:12 مساء
قراءة 4 دقائق
1

د. محمد فراج أبو النور*

بعد مرور أكثر من سبعة شهور على توقيع اتفاق جنيف لوقف إطلاق النار في ليبيا (23 أكتوبر/تشرين الأول 2020) وثلاثة أشهر على أداء المجلس الرئاسي والحكومة الانتقالية الليبية لليمين الدستورية (15 مارس/ آذار 2021) وبدء ممارسة مهامها رسمياً، لا تزال خريطة الطريق – لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وإقامة سلطة دائمة منتخبة – تتعثر ويكتنف الغموض مستقبلها، وترتسم بوضوح متزايد ملامح الانقسام بين الشرق والغرب الليبيين حول عدد من أهم بنودها، وسبل تنفيذها، وتفاصيل التنفيذ.

دعوة ألمانيا والأمم المتحدة لعقد مؤتمر «برلين 2» في 23 يونيو/حزيران الجاري؛ سلّطت الضوء بقوة على هذه الحقائق المثيرة لقلق الدول الكبرى والمجتمع الدولي، وجاءت لتمثل محاولة جديدة؛ للتغلب على العقبات الجدية التي تعوق تنفيذ خريطة الطريق، التي تم الاتفاق عليها من جانب الدول الكبرى والأطراف الليبية، وبإشراف الأمم المتحدة، بعد مفاوضات ماراثونية امتدت لعدة أشهر في أكثر من بلد.

 عقدة القوات الأجنبية والمرتزقة

 فعلى الرغم من نص خريطة الطريق بوضوح على انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، لا تزال تركيا ترفض بإصرار سحب قواتها من البلاد، وإخلاء قواعدها، بدعوة أنها موجودة على أساس اتفاق مع حكومة السراج، كما ترفض سحب المرتزقة الذين جلبتهم من منطقتي إدلب وشرق الفرات (نحو 20 ألفاً).

 وعلى الرغم من أن اتفاق جنيف وخريطة الطريق ينصان بوضوح على حل الميليشيات المحلية، وتسليم أسلحتها للدولة، فلا تزال هذه الميليشيات هي القوة العسكرية المسيطرة على العاصمة طرابلس والمناطق الغربية من البلاد. كما ترفض ميليشيات مصراتة فتح الطريق الساحلي بين المدينة ومدينة سرت، وبالتالي يظل الطريق بين طرابلس وبنغازي مغلقاً، ويشن زعماء الميليشيات هجوماً إعلامياً مستمراً ضد البرلمان والجيش الوطني بقيادة حفتر، مطالبين بحله، وكذلك ضد وزيرة الخارجية التي يطالبون بإقالتها.

 ويترتب على ذلك بالطبع؛ عدم التقدم ولو خطوة واحدة في اتجاه توحيد القوات المسلحة أو قوات الأمن، وفقاً لنصوص اتفاق جنيف وخريطة الطريق. كما يترتب عليه وضع أمني غير مستقر وخاصة في الغرب، يصعب معها إجراء انتخابات نزيهة في الموعد المقرر (24 ديسمبر/كانون الأول 2021).

 مشكلة المناصب السيادية

 ومن ناحية أخرى، فإن تعيين شخصيات جديدة في عدد من المناصب السيادية الأكثر أهمية لا يزال متعثراً، على الرغم من نص خريطة الطريق، واتفاق «ملتقى الحوار الوطني الليبي في تونس» على أسس اختيار المرشحين الجدد، وتمثيل مختلف أقاليم البلاد في هذه المناصب والتشكيلات القيادية للهيئات؛ ومن أهمها: المصرف المركزي، والمفوضية العليا للانتخابات، وديوان المحاسبات والنيابة العامة وغيرها.

 ويلعب «المجلس الأعلى للدولة» بقيادة خالد المشري الموالي ل«الإخوان» دوراً أساسياً في تعطيل الترشيحات الجديدة على الرغم من عدم وجود دور واضح له في خريطة الطريق، ومن كونه أحد بقايا النظام السابق، ومن أن دوره الدستوري القديم يعد منتهياً؛ بحكم استقالة أغلب أعضائه.

 وهكذا يظل «الصديق الكبير» محافظ المصرف المركزي في منصبه على الرغم من اتهامات الفساد الموجهة له، وعلاقته المعروفة ب«الإخوان»، وقيامه بإيداع (8 مليارات دولار) من احتياطات البلاد في البنك المركزي التركي، من دون فوائد لمدة (4 سنوات)، فضلاً عن دوره في توجيه الأموال؛ لدفع أجور المرتزقة الأجانب، وغير ذلك من الانتهاكات، كما تحيط عدة شبه فساد برئيس ديوان المحاسبة، وغيره من المسؤولين في عدد من المناصب الرقابية. أما رئيس «المفوضية العليا للانتخابات» عماد السايح الذي تم تعيينه من جانب حكومة الوفاق، فهو قريب من دوائرها، وقد أعلن بوضوح عن انحيازه لدور هامشي لرئيس الجمهورية «حتى لا تتكرر تجربة تونس»! متجاوزاً بوضوح صلاحياته كشخص مكلف بإجراء انتخابات نزيهة، بكل مفردات هذه العملية من الناحية التنظيمية، ومتجاوباً مع المواقف المطروحة في «الغرب» على نطاق واسع حول تهميش صلاحيات رئيس الجمهورية، وإمكانية انتخابه من جانب البرلمان المقبل، علماً بأنه في جميع الأحوال يجب تغييره وفقاً لخريطة الطريق.

 البرلمان والموازنة والانتخابات

 البرلمان الليبي من جانبه رفض إقرار الموازنة التي قدمتها حكومة الدبيبة، قبل إقالة محافظ المصرف المركزي بصفة خاصة؛ لقطع الطريق على إمكانية إساءته للتصرف في موارد البلاد؛ من خلال تمويل المرتزقة والميليشيات. ومن ناحية أخرى، فقد رفض البرلمان رصد جزء كبير من الموازنة لبند «الطوارئ» بصورة تضعف رقابة البرلمان على الإنفاق الحكومي.

 فقد انتقد رئيس الحكومة الدبيبة موقف البرلمان؛ لكن الأخير بقي متمسكاً بموقفه؛ ما أدى إلى جفوة، زاد منها تراجع الدبيبة عن عقد اجتماع للحكومة في بنغازي.

 وقد أعلن عقيلة صالح أن البرلمان بصدد مناقشة قانون الانتخابات الذي يمثل قاعدة دستورية لإجرائها، إلا أن تعثر تطبيق خريطة الطريق، وخاصة فيما يتصل بانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب، وكذلك حل الميليشيات، وتعيين قيادات جديدة في المناصب السيادية.. كلها أمور تلقي بظلال من الشك على إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها، أو على نزاهتها حال إجرائها.

 الدور الدولي.. و«برلين 2»

 إزاء التعثر الذي شهده تنفيذ خريطة الطريق، قام سفراء أمريكا وألمانية وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا بإصدار بيان يؤكد ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، وإعداد القاعدة الدستورية لذلك بحلول1 يوليو/ تموز؛ وهو ما انتقده كل من البرلمان والسياسيين في الغرب؛ لكونه يعد تدخلاً في الشؤون الداخلية، وتجاوزاً لدور السفراء.

 وبالتالي كان لا بد من خطوة أعلى مستوى وأكثر مصداقية، فكانت الدعوة من جانب ألمانيا والأمم المتحدة لعقد مؤتمر «برلين2» في 23 يونيو/حزيران الجاري؛ المقرر أن تحضره الأطراف التي حضرت مؤتمر برلين (يناير/كانون الثاني 2020)؛ لممارسة الضغط على الأطراف الليبية والأطراف الليبية الفاعلة، وخاصة تركيا؛ من أجل إزالة العقبات المعرقلة لتنفيذ خريطة الطريق. فهل ينجح المؤتمر أم يستمر التعثر والانقسام والجمود؛ بحيث يمكن أن نجد أنفسنا أمام سيناريو مشابه لوضع حكومة «الوفاق» بما ينطوي عليه من إمكانية تفجر الأوضاع في ليبيا مرة أخرى؟ 

 الأمر يتوقف على الإرادة السياسية للدول الكبرى، وشدة الضغوط التي ستمارسها وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"