فيروس يهزم العالم

03:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

قبل انتشار فيروس كورونا المستجد، كان الإنسان مستعداً لمقاومة أخيه الإنسان فقط، ولم يكن مستعداً، نفسياً ومادياً، لمكافحة فيروس لا يُرى بالعين المجردة، رغم أن التاريخ يزخر بأحداث عن أوبئة فتاكة أبادت الملايين من البشر.
الإنسان العصري كان مدججاً بالسلاح ليقاتل نفسه، ولم يكرس موارده لخطر جمعي غير مرئي. وما زال العلم يترنح لمعرفة كنه الفيروس الجديد الذي استعصى على الأدوية، وما زال العلماء يبحثون في مختبرات أغلبها أعدت مسبقاً للحرب البيولوجية لإنتاج جراثيم وفيروسات كسلاح يستخدم في الحروب لإبادة البشر، ولم تعدّ لمكافحة الأمراض والأوبئة.
وقد ظلت الفيروسات تتنوع، سواء بفعل التطور الجيني الطبيعي لها، أو بفعل الإنسان نفسه، وجاء ظهور الفيروس الجديد ليكشف عورات النظام العالمي الحالي، وعجزه عن الاستعداد لأخطار وبائية سبق للإنسان أن استخدمها لإبادة بشر آخرين عبر التاريخ. ولعل استخدام الطاعون، والجدري، في إبادة سكان الأمريكتين، أقرب مثال على ذلك. من هنا نشأت نظرية المؤامرة بعد تفشي كورونا المستجد في الصين، لأن الإنسان الأبيض الإنجليزي، والإسباني، حمل ملابس المرضى بالطاعون والجدري والأغطية من مستشفيات أوروبا ونقلها إلى العالم الجديد، وأهداها للهنود الحمر لإبادتهم، وهذا موثق بأسماء الضباط الذين نفذوا المجازر بالفيروسات.
الخطأ الفادح في مواجهة الوباء الأخير هو أن الكثيرين أرجعوا ذلك إلى سوق الحيوانات البرية في ووهان الصينية، وبقي العالم يتفرج على موكب البلاء والوباء هناك، من دون أن يستعد لانتشاره خارجها، وبسبب اللامبالاة الدولية تفشى في قلب أوروبا، ربما في وقت متزامن مع ظهوره في الصين، ما يلغي فرضية انتقاله من الصين إلى إيطاليا، لأن الإصابات بالالتهابات الرئوية في شمال إيطاليا تزامنت مع ظهور «كورونا» في الصين، أي في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لكن كان ينظر إليها كنوع من الإنفلونزا، إلا أن الصينيين هم من اكتشفوا أنه فيروس مغاير للإنفلونزا، وهذا سبب إضافي للحيرة في منبع هذا الفيروس، وهل هو حقاً صيني المصدر، أم فيروس يتطور ذاتياً، أم أنه مطور بفعل فاعل؟
لا أحد يملك إجابات حول الموضوع، لأن العلم يقول إن بعض الجراثيم، والفيروسات تكيّف نفسها بحيث تخلق مناعة ضد اللقاحات، والأدوية، ويمكن أن يكون «كورونا الجديد» من بينها، كما أن نظرية المؤامرة تبقى واردة أيضاً، فربما هناك من يريد توجيه ضربة قاتلة للاقتصاد العالمي، أو تجربة أولية للفتك بالبشرية، أو على الأقل أغلبها. لكن الدرس المستفاد هو أن النظام العالمي أثبت أنه مفكك علمياً، وسياسياً، واقتصادياً، فكل دولة تصرفت كأن الأمر يعنيها وحدها، ولمسنا استهتاراً من بعض القادة في البدء، كأنه وباء صيني فقط، وهذا ما فهمناه من تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب الذي حاول الاستفادة انتخابياً من الفيروس في بدايته، ثم فوجئ بانتشاره في بيته، فبعد أن خصص ملياري دولار لمكافحته، رفع المبلغ إلى عشرة، ثم إلى خمسين ملياراً في مزايدة انتخابية واضحة، ما يؤكد جهل السياسيين في إدارة الأزمات الصحية. وكان نجاح التجربة الصينية يرجع أساساً إلى أن كل موارد الدولة كانت تحت تصرف الحزب الحاكم، أما الذين كابروا، وتكاسلوا في البدء، كالدول الأوروبية، والولايات المتحدة، فقد انتشر فيها الفروس بكثافة.
أما «الإسرائيليون»، وبسبب الحملة الانتخابية، فقد تجاهل السياسيون الوباء، لأنهم معنيون بزحف الناخبين للاقتراع، مثلهم مثل الأمريكيين، وبعدها انتبهوا «للكورونا» فوجدوا أنفسهم بلا كمامات طبية، بينما يوجد في كل بيت «إسرائيلي» كمامات مضادة للحرب الكيماوية بعدد أفراد العائلة، ما اضطر نتنياهو لأن يستخدم علاقته الشخصية مع رئيس وزراء الهند مودي، ويطلب منه كمامات، وأدوية، ومعدات طبية، ويطالب خصومه السياسيين بتشكيل حكومة طوارئ لمواجهة الفيروس، بل لإنقاذ نفسه أيضاً من المحكمة، حيث جرى تعليق عمل المحاكم. فيما سارعت الصين المنكوبة إلى إرسال أطباء ومعدات طبية إلى إيطاليا.
إن غياب التعاون الدولي هو السبب الرئيسي في تفشي الفيروس، حتى في الاتحاد الأوروبي، لأنه لم يتخذ إجراءات جماعية من المفروض أن تتخذ بشكل فوري، أما القرارات الأمريكية المتأخرة، والمبالغ فيها فقد كشفت أن الدولة العظمى لا تستطيع إجراء فحوص للمشتبه في مرضهم إلا بعدد محدود يومياً لا يخدم مدينة صغيرة لنقص في الاستعدادات الصحية. فالنظام الدولي عاجز عن حماية البشر، وقادر على حماية أقطابه، وشركاته، وأطماعه فقط. إن عالما مفككاً كهذا من الطبيعي أن يعجز عن فك شيفرة فيروس.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"