خيارات ترامب نحو طهران والمنطقة

03:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

من المبكر الحديث عن خيارات نهائية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ليس فقط لأنه ما زالت هناك فترة شهرين قبل تقلده منصبه، ولكن أيضاً لأن الرجل طارئ على الحياة السياسية، وليس في سجله ما يمكن البناء عليه لتقدير مواقفه المقبلة، وسياسته المتوقعة في غير ميدان.
بعد عشرة أيام على انتخابه، هدأت نبرة ترامب بعض الشيء حول الملف النووي الإيراني، فيما ارتفعت في المقابل نبرة مسؤولين إيرانيين ضد أي تغيير في السياسة الأمريكية إزاء الاتفاق النووي. وقد لوحظ السبت الماضي 19 نوفمبر الجاري أن تصريحات متعاقبة نُسبت للمستشار المُعيّن للأمن القومي مايكل فلين تفيد أن الأولوية الأمريكية القصوى ستكون للتهديدات النووية التي تمثلها كوريا الشمالية. وهو ما نقله نائب مستشار الأمن القومي للرئاسة الكورية الجنوبية تشو تاي يونغ، عن فلين عقب زيارة وفد كوري جنوبي رفيع المستوى إلى واشنطن. وكانت بيونغ يانغ أجرت تجربتها النووية الخامسة في سبتمبر الماضي، ولا يكفّ المسؤولون الكوريون الشماليون عن إطلاق التهديدات باستخدام كل الأسلحة في حال تعرّضت كوريا الشمالية لاعتداء. وليس معلوماً كيف يمكن لصقور متشددين احتواء هذه الأزمة، إذا لم يتم الشروع في مفاوضات تنطوي على حوافز للطرفين.
لم يحتل التهديد النووي الكوري الشمالي حيزاً واسعاً في الحملة الانتخابية الرئاسية لدونالد ترامب مقارنة بملف الاتفاق النووي الإيراني الذي هدد بتمزيقه، قبل أن يعود للقول إنه سيراقب تنفيذ الاتفاق بدقة، بهدف إعادة التفاوض مع طهران لضمان الحصول على اتفاقية أفضل. وما لم يتوقف عنده ترامب أن أي تفاوض جديد في حال وافق الطرف الآخر عليه، سيكون مرهوناً بموافقة بقية الأطراف الموقّعة وهي الدول الأربع الكبرى في مجلس الأمن زائد ألمانيا على الاتفاق على إعادة النظر فيه وخوض مفاوضات جديدة. وقد نال الاتفاق النووي الذي دخل حيز التنفيذ في مطلع العام الجاري 2016 أوسع تأييد دولي شمل مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يضع صعوبات كبيرة أمام الإدارة الجمهورية في حال رغبتها بالتخلي عن الاتفاق.
الأرجح بدلاً من الدخول في مجازفة «تمزيق» الاتفاق، أن تسعى الإدارة الجديدة إلى توسيع العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران وتخفيض أو تجميد التعامل الدبلوماسي معها، أي العودة إلى النقطة التي توقفت عندها العلاقات الإيرانية قبل توقيع الاتفاق. ولن تجد الإدارة صعوبة في ذلك، فليس هناك لوبي إيراني في واشنطن، والمصالحة التاريخية التي كان أوباما يسعى لتحقيقها مع طهران توقفت في منتصف الطريق، ولا تجد مؤيدين مسموعي الصوت لها.
خلال ذلك فإن المصلحة العربية تقتضي حقاً التمسك بالاتفاق مع المراقبة الدقيقة لتنفيذه، إذ إن التخلي عن الاتفاق قد يطلق الطموحات الإيرانية النووية مجدداً وبالتعاون مع بيونغ يانغ (وهذه الطموحات لم يجر طيّها، لكن تم تخفيضها والتراجع الجزئي عنها). وفي وقت يشهد فيه التعاون العسكري الإيراني الروسي تطوراً متنامياً.
لم تكن مقاربة الإدارة الديمقراطية للملف النووي الإيراني خاطئة، بقدر ما كانت محفوفة بالمحاذير التي تقع خارج الاتفاق، وليس هناك ما ينفي حتى الآن التسريبات الإيرانية بأن إطلاق يد إيران وميليشياتها في العراق وسوريا، إنما هو جزء من الاتفاقيات غير المكتوبة بين طهران وواشنطن، والتي يسّرت التقدم نحو توقيع الاتفاق النووي. لقد تم التعامل مع طهران بطريقة تقديم المكافآت لها، ومن ذلك الإفراج عن 1،7 مليار دولار مقابل تسهيل الإفراج عن رهائن أمريكيين لدى طهران. وخلال الولاية الثانية لأوباما حرصت الإدارة الأمريكية على تجنب اتخاذ كل ما من شأنه الاحتكاك بطهران.
الجهد الخليجي والعربي في المرحلة المقبلة يتعين أن يتركز في حمل الإدارة الجديدة على الالتزام بالضغط على طهران لوقف تدخلاتها في منطقة الخليج، وفي المشرق عموماً، فالخطر النووي ليس هو الخطر الوحيد الذي يستحق الحذر منه. فقد بذلت طهران بالتنسيق مع موسكو كل ما تملك يمينها لمنع التوصل إلى حل سياسي بشأن سوريا. وعليه فإنه من أوجب الواجبات الحوار مع الإدارة الجديدة في واشنطن حول مخاطر التغلغل الإيراني في عموم منطقة الشرق الأوسط، وليس التوقف عند الطموحات النووية لهذا البلد. وهو الأمر الذي تنصّل أوباما من التعامل الجدي معه، ساعياً بدلاً من ذلك إلى إجراء مصالحة بين الرياض وطهران! وهي مصالحة مطلوبة ومأمولة لو أن طهران أبدت أي استعداد للتراجع عن نزعتها التوسعية، ولو أنها توقفت عن تدخلاتها الفظة وغير المشروعة في شؤون الدول والمجتمعات الأخرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"