عودة الغائب عن «الفصل المدرسي المناخي»

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

وصف مسؤول صيني عودة الولايات المتحدة إلى المشهد المناخي الدولي بأنها «عودة الغائب عن المدرسة»، في إيحاء مقصود الى تقلب الولايات المتحدة في مواقفها من قضية المناخ. ففي حين قدّم نائب الرئيس الأمريكي آل جور، إبّان ولاية الرئيس بيل كلينتون، نفسه للعالم كداعية لقضية المناخ، إلا أنه حين حضر بطائرته إلى مدينة كيوتو اليابانية للمشاركة في أعمال مؤتمر الأطراف الثالث (COP-3)، وحفل توقيع بروتوكول كيوتو في 11 ديسمبر/ كانون الأول الذي تم التوصل إليه في المؤتمر، لم يشأ التوقيع على الوثيقة، وانتظرت واشنطن سنة كاملة قبل موافقة الرئيس بيل كلينتون على توقيع البروتوكول في نوفمبر/ تشرين الثاني 1998؛ لكن سرعان ما ارتدّت ورفضت المصادقة عليه. بل إن الرئيس بوش الذي خلف كلينتون في المنصب، أعلن انسحاب بلاده من البروتوكول الذي عُدّ بمثابة لائحة تنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC). الشيء نفسه تكرر مع اتفاق باريس للمناخ. ففي حين وافق الرئيس باراك أوباما على الانضمام إليه، جاء خلفه دونالد ترامب وأعلن انسحاب بلاده منه.

والآن، لم يكتفِ الرئيس الجديد جو بايدن بالعودة إلى اتفاق باريس، بل إنه بادر إلى تنظيم قمة عالمية افتراضية لمناقشة قضايا المناخ الملحّة تزامناً مع إحياء العالم ليوم الأرض. وشارك في القمة التي عُقدت على مدى يومين (22-23 إبريل/ نيسان 2021)، 40 من قادة الدول، في مقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينج. وألقى الرؤساء الثلاثة خطابات مهمة لمصلحة إعادة تثبيت الأجندة المناخية من حيث انتهى إليه انسحاب واشنطن من الاتفاق، حيث حرص الرئيس الأمريكي أولاً على محاولة استعادة مصداقية المناخ في الولايات المتحدة بعد أربع سنوات ضائعة، من خلال تعهدات بالتمويل وكبح الانبعاثات. ولعل أبرز ما ورد في خطاب بايدن ما يلي: «إنني أرى فرصة لخلق الملايين من الوظائف ذات الأجر الجيد وتقوية الطبقة الوسطى؛ وأرى عمال الخطوط يضعون آلاف الأميال من خطوط النقل من أجل شبكة نظيفة وحديثة ومرنة؛ وأرى عمالاً يغطّون مئات الآلاف من آبار النفط والغاز المهجورة التي تحتاج إلى التنظيف، ومناجم الفحم المهجورة التي تحتاج إلى الإصلاح، ووضع حد لتسرب الميثان وحماية صحة مجتمعاتنا؛ وأرى عمال السيارات يبنون الجيل القادم من السيارات الكهربائية، وكهربائيين يقومون بتركيب 500 ألف محطة شحن على طول طرقنا السريعة على الصعيد الوطني؛ وأرى المحركين الجدد، من مهندسين وعمال بناء يبنون مصانع جديدة لاحتجاز الكربون والهيدروجين الأخضر لتكوين فولاذ وأسمنت أنظف وإنتاج طاقة نظيفة؛ وأرى المزارعين وهم يستخدمون أدوات عمل متطورة لجعل التربة التي لها مكانة خاصة في قلبنا، الهدف التالي للعمل الابتكاري المتعلق بالكربون».

وبعد هذا العرض الحالم لرؤيته ورؤية الحزب الديمقراطي الحاكم لتطبيق، على ما هو واضح، جانب من خطة «الصفقة الخضراء الجديدة»، يعلن الرئيس بايدن عن تعهد بلاده بتحقيق تلك الأهداف من أجل وضع أمريكا على مسار اقتصاد خالٍ من الانبعاثات بحلول عام 2050. محذراً في الوقت نفسه، من أن العالم، في حال تجاوز الخط الأحمر لاحترار الكوكب، وهو ارتفاع في درجة الحرارة بنهاية القرن بمقدار 1.5 درجة، فإن ذلك يعني حرائق متكررة وبالغة الشدة والخطورة، وفيضانات، وجفاف، وموجات حر، وأعاصير تمزق المجتمعات، ما يمزق الأرواح وسبل العيش، ويؤثر بشكل متزايد في صحتنا العامة.

وفي ما يتعلق بالتمويل، وهو الموضوع الذي يتحدى به أنصار المناخ مصداقية الولايات المتحدة وإعادة التزامها بقضية المناخ، فقد وعد الرئيس بايدن بمضاعفة تمويل بلاده بحلول عام 2024، ومضاعفة تمويلها ثلاث مرات لمشاريع التكيف. ولم يتضمن تعهد بايدن رقماً محدداً، بيد أن أحد مسؤولي الإدارة، وهو ليوناردو مارتينيز دياز، ذكر أن الأمر يتعلق بنحو 2.8 مليار دولار، منها 500 مليون دولار للتكيف.  بينما وصف براندون وو، مدير السياسات وحملات التعبئة في منظمة «أكشن إيد» في الولايات المتحدة، الأرقام بأنها «منخفضة جدًا»، وبعيدة كل البعد عن رقم ال800 مليار دولار التي يقول نشطاء المناخ، إنها المساهمة العادلة المطلوبة من الولايات المتحدة. أما جو ثويتس، من معهد الموارد العالمية، فعلّق على تعهد التمويل الأمريكي الجديد للمناخ، بقوله إن هذا التعهد لم يكن طموحاً على نحو واضح، إذا ما أخذنا في الاعتبار أربع سنوات من الغياب الأمريكي، ضاعف خلالها العديد من الدول المانحة الرئيسية الأخرى تعهداتها الخاصة بتمويل المناخ.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"