مأزق أوروبي في كتالونيا

04:10 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

تمر إسبانيا بوضع سياسي حرج مع عودة التوتر بقوة إلى إقليم كتالونيا، وتعالي الأصوات المطالبة بالانفصال وتقرير المصير، بينما وقعت الحكومة المركزية بمدريد بين شقّي رحى، ضغط هذه المطالب، والرغبة في الحفاظ على وحدة الدولة وتماسكها، خاصة أن الاحتجاجات المتصاعدة مصحوبة بأعمال عنف كبيرة، تجعل هامش المناورة يضيق شيئاً فشيئاً.
التوتر الجديد، فجرته أحكام المحكمة العليا الإسبانية التي قضت بسجن قادة انفصاليين من 9 سنوات إلى 13 سنة، بتهمة إثارة الفتنة، وهي أحكام جاءت بعد أكثر من عامين على إجراء استفتاء في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2017، وأسفر عن أغلبية بين الكاتالونيين صوتت ب «نعم للانفصال». ومثلما واجهت سلطات مدريد هذه النتيجة بالرفض في حينها، مازالت تتمسك بذات الموقف المتشدد، وربما تذهب إلى ما هو أبعد من مواجهة الاحتجاجات بالقوة الأمنية. فإسبانيا، التي تخلفت نسبياً عن ركب القوى الكبرى في السنوات القليلة الماضية، لا تريد أن تخسر المزيد، ولذلك فلن تسمح بانفصال إقليم كتالونيا، القويّ اقتصادياً، ليصبح دولة مستقلة. وتساند العواصم الأوروبية الأخرى مدريد في هذا الموقف، ذلك أن دول الاتحاد الأوروبي تخشى من أن يسن إقليم كتالونيا سنة سيئة، ويضرب مشروع الاتحاد في الصميم بتحريض العديد من الأقاليم الأخرى في دُوله على الانفصال، وهو ما يعني الدفع بالقارة الأوروبية إلى التفكك، بعد أن عاشت حدودها نحو قرن من الاستقرار النسبي بعد الحرب العالمية الأولى.
هاجس ضرب الخارطة الأوروبية مازال كابوساً مرعباً، ومازالت مدريد تعدد خياراتها، ورغم المخاطر الكبيرة، تظل أقرب الحلول في إعادة الاستفتاء، الذي دعا إليه الزعيم الكتالوني الانفصالي كيم تورا، بينما تشير استطلاعات الرأي إلى تغير المزاج الشعبي عما كان عليه الحال قبل عامين؛ إذ يؤيد 45 في المئة من سكان إقليم كتالونيا خروجه عن إسبانيا، بينما يرفض 48 في المئة عملية الانفصال. ولكن هذه النتيجة غير ثابتة. وإذا كان هدف مدريد الاستراتيجي هو الإبقاء على الإقليم ضمن الدولة الاتحادية، فما عليها إلا أن تحسن سياسة إدارة الأزمة، ولا تزيد من شدة التصعيد، وهو ما يمكن رصده بوضوح. فتعامل السلطات المركزية مع الاحتجاجات تميز بالكثير من ضبط النفس وتجنب الاستخدام المفرط للقوة. وإذا كان هذا السلوك ممنهجاً، فمن الممكن أن يغير الوضع عكسياً، وبدل أن يطالب الكتالونيون بالانفصال، ينتصرون لإسبانيا الموحدة.
من المتوقع أن تهدأ احتجاجات برشلونة، ولكن إبقاء الأزمة دون حل سيجعل من تفجرها لاحقاً أمراً حتمياً، كما ستظل صداعاً مضنياً ليس لإسبانيا فحسب، بل للاتحاد الأوروبي عموماً الذي يتخوف من انهيار هيكله بعد الخروج البريطاني، ويصيبه الرعب من دعوات الانفصال المتنقلة داخل دوله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"