عادي

«مرثية موت أبيه».. القصيدة الذهبية في الإسبانية

22:31 مساء
قراءة 3 دقائق

ينتمي نص «مرثية موت أبيه» للشاعر الإسباني خورخي مانريكي (1440 1479) إلى النصوص الكلاسيكية الإسبانية ضمن العصور الوسطى، وينتمي الشاعر نفسه إلى أسرة أرستقراطية، وعلى الرغم من أنه لم يتفرغ للأدب ولم يُخلّف إلا ديواناً صغير الحجم يضم مرثيته لوالده ومجموعة من القصائد الأخرى، فقد حقق مجده كشاعر. فحين كان طفلاً كان عمه شخصية سياسية وثقافية ورئيس بلدية توليدو (طليطلة) في عهد الملكة إيزابيل، وكان من الداعين إلى توسيع نفوذ قشتالة، وقد استفاد خورخي من الاطلاع على مكتبة عمه.

ترى الدكتورة عبير عبد الحافظ في ترجمتها لمرثية خورخي ما نريكي، أن هذه القصيدة عند شعراء الإسبانية، تعد ظاهرة لغوية وبلاغية معجزة، ولم يكن ذلك في وقت ظهورها، فحسب؛ بل في كل العصور. وقد كتب عنها أكثر من شاعر، حيث استلهمها بابلو نيرودا، وكتب الشاعر لوبي دي فيجا أنها «تستحق أن تكتب بحروف من ذهب».

ولد مانريكي في بيت من بيوت النبلاء والأشراف بمدينة بلنسية التابعة لإمارة كاستيا، وهي من الإمارات القوية في العتاد العسكري والسلطة، إلا أن حقبة ميلاده تزامنت مع وفاة الملك خوان الثاني، الذي خلف وراءه سلسلة من الخلافات السياسية استمرت إلى أن توفي مانريكي، وكان ذلك في أعقاب زواج الملكة إيزابيل والملك فرناندو اللذين منحهما بابا روما عام 1478 حق البدء في تفعيل محاكم التفتيش.

وقد قيل عن مانريكي إنه «شاب منطوٍ رهيف حزين، غير أن هذا السمت لا يخفي معالم الفروسية والإقدام الظاهرة على وجهه». وبهذا الوصف تتحد سمات الفروسية مع الشاعرية، لتصنع ذلك الفارس القوي في الحرب، الضعيف في الحب. وعلى الصعيد الأسري فقد الشاعر والدته وهو في الرابعة من عمره، ولعل ذلك يفسر مصابه الأليم وحسرته لفقد الأب عام 1476، فقد كان متأثراً بشكل كبير بفروسية والده ومركزه السياسي والعسكري.

كرس خورخي حياته بشكل أساسي للسياسة والحروب، مستمتعاً بالامتيازات الخاصة بطبقة النبلاء، مشاركاً بشكل فعال في المعارك التي كانت تخرب قشتالة، وتعرض للأسر والسجن عام 1477 في إحدى المعارك، وقتل أخوه، وكان شاعراً أيضاً، في أثناء الاشتباكات، وأصيب هو نفسه بطعنات نتجت عنها جروح غائرة، مات على إثرها، وتباينت الآراء بشأن مقتله، فقيل إن من قتلوه كانوا من رجال الماركيز، وقال آخرون إن القتلة من فريقه، غير أن الحقيقة لم تعرف قط.

وتشير الدكتورة عبير عبد الحافظ إلى أنه لم يكن هناك فرق واضح بين العصور الوسطى وعصر النهضة في إسبانيا، فشعر هذه الحقبة من حيث الشكل العام والعناصر الظاهرية السطحية قروسطي، أما من حيث المحتوى فمتجدد، حيث إن الإنسان هو مركز الكون، متمرد على إقصائه من المشهد والحياة، نتيجة التأثر بفكرة الخطيئة الكبرى التي سادت دول أوروبا نتاج الفكر المسيحي، وتطرح هذه المرثية تأمل فكرة الموت من منظور نمطي مسيحي.

تستوقف هذه المرثية الشاعر الإسباني لويس ثيرنودا، فيطرح التساؤل التالي: هل مقطوعات مانريكي في رثاء أبيه نتاج مرحلة جديدة بصدد الاختفاء أم نقطة انطلاق لحقبة جديدة في طور النشوء؟ وهو تساؤل فلسفي يبرز الزمن فيه كالمحرك الأول، وتتأثر المحاور الثلاثة (الماضي، الحاضر، المستقبل) بموتيفات شعرية متوالية، ما بين تأمل زوال الحياة والأشياء.

يفسر أميريكو كاسترو تطور فكرة الموت في شعر العصور الوسطى على نحو دقيق قائلاً: «برزت فكرة الموت في القرن الخامس عشر بالتوازي مع المفهوم الجديد للحياة عند الإنسان، بشكل أكثر خفة وانطلاقاً في التفكير والإحساس وفي الوقت الذي أصبحت الحياة فيه أكثر استيعاباً لمباهج جاذبة، اكتسبت فكرة فنائها أهمية بالغة».

ليس هناك كثير من الأعمال الأدبية التي تخص خورخي مانريكي، وبشكل عام، فإن تلك الأعمال هي عبارة عن أعمال هجائية وأخرى غرامية تقليدية، تتبع الأسلوب الشعري لمجموعة من المؤلفات الإسبانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"