عقد المرابحة «2 - 2»

02:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

تحدثنا في المقال السابق عن عقد المرابحة، وقلنا بأنه عقد شائع بين الناس اليوم، ولا سيما في البنوك الإسلامية، فلا يكاد يتم بيع في البنوك الإسلامية اليوم إلا عن طريق عقد المرابحة.
وبينا في المقال السابق أيضاً رأي جمهور فقهاء السلف، وكذلك مؤيديهم من الفقهاء المعاصرين.
ولكن بما أن المالكية استقوا برأيهم في هذا، فإن بيان ذلك ضروري، لأن لهم وجهة نظر ولهم أدلتهم وحججهم، ومن المعاصرين من ذهب إلى ما ذهب إليه المالكية.
فالمالكية قالوا بأن جواز عقد المرابحة هو خلاف الأولى، وقد ذكر ابن قدامة كراهته عند ابن عمر وابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء (انظر المغني ج 4 ص 199).
ولو تأملنا في أدلة المانعين لوجدنا أنهم يستندون إلى:
1- بيع المرابحة منهي عنه شرعاً لأنه من قبيل بيع ما لا يملك، لأن البنك يبيع للمشتري ما لم يملك فعلاً ساعة البيع.
2- العقد باطل لأنه من قبيل البيع المعلق بشرط، لأن المشتري كأنه يقول للبنك: إن اشتريتم هذه البضاعة اشتريتها منكم، وقد عبر ابن رشد عن مثل هذا البيع بأنه مواطأة على بيعها قبل وجوبها.
3- بيع المرابحة يؤدي إلى التحايل على إباحة الإقراض بالربا، وقد قال ابن عبد البر في كتاب «الكافي» بأنه يتحيل في بيع درهم بدرهم أكثر منها إلى أجل بينهما سلعة محللة كأن يطلب رجل من آخر سلعة يبيعها منه بنسيئة، وهو يعلم أنها ليست عنده ويقول له: اشترها من مالكها بعشرة وهي علي باثني عشر إلى أجل كذا.
4- بيع المرابحة يدخل في باب بيوع العينة المنهي عنها، وبيع العينة يكون قصد المشتري فيه على العين (النقد) وليس على السلعة وهذا منهي عنه شرعاً، وهذا هو الحاصل اليوم مع البنوك، لأن المشتري لم يلجأ إلى البنك إلا لأنه غير قادر مادياً، فهو إذن يريد المال لا السلعة، والبنك لم يشتر هذه السلعة للمشتري إلا بقصد أن يبيعها بأجل وبزيادة ربح، وإلا لم يكن له نية شرائها.
5- بيع المرابحة يدخل في باب بيع الدين بالدين (الكالئ بالكالئ) أي أن البدلين مؤجل عند الطرفين، فلا البنك يسلم السلعة في الحال ولا المشتري يسلم الثمن، وهذا محرم عند الفقهاء أصلاً.
6- بيع المرابحة من قبيل بيعتين في بيع، وقد نهى الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيع، فبيع المرابحة مواعدة في بدايتها، لكنها تتحول في النهاية إلى عقد ملزم فصارت بيعتين في بيع، الأولى بين البنك والمشتري، والثانية بين البنك والبائع.
7- بيع المرابحة يؤدي إلى وجوب الوفاء بالوعد، والوفاء بالوعد مستحب عند الجمهور وليس واجباً.
وقد ذهب عدد من المعاصرين إلى القول بالمنع لأن بيع المرابحة كما قلنا مبني على الوعد الملزم للمتعاقدين ومن هؤلاء:
- الدكتور محمد سليمان الأشقر في كتابه «بيع المرابحة كما تجريه المصارف الإسلامية».
- الدكتور بكر بن عبد الله أبوزيد- رحمه الله- في كتابه «المرابحة للآمر بالشراء بيع المواعدة».
- الدكتور رفيق المصري في بحثه «بيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية».
وفي النهاية نجد أن مجمع الفقه الإسلامي قرر في دورته الخامسة جواز بيع المرابحة إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"