الشيخ زايد بن سلطان الربان القدير

05:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

في رمضان من هذا العام الهجري ،1433 مرَّ على رحيل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله تعالى، ثمانية أعوام، ونسأل الله أن يجعل من رحيله عن دنيانا الفانية في مثل هذا الشهر المبارك، حسنةً تضاف إلى ميزان حسناته . وإذا وقف الباحث عند النقاط المضيئة في تاريخ حياة هذه الشخصية، فإنه يجد أن من بين أكثر الأضواء لمعاناً وبريقاً، تلك التي تشير إليه كواحد من القادة المؤسسين للدول، وأحد الذين يحملون سمة رجل دولة كبير في تاريخ العرب المعاصر، أو في تاريخ المنطقة العربية . . وباستعراض نشأة دولة الإمارات العربية المتحدة التي مضى عليها أربعون سنة، يتضح لنا مصداق هذه السمة القيادية للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان . لقد تميز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بطرح خطط أكثر حداثية، وأكثر ليبرالية، في الزعامة العربية المعاصرة، وأكثر تقبلاً من المجتمع الدولي للإدارة القائمة على المؤسساتية والمتسمة بجانب قريب من المبادئ الديمقراطية، وبهذا الطرح قام مشروع تأسيس دولة الإمارات الذي كان الشيخ زايد مهندس بنائه ومدير مشروعه، على الحوار والأخذ والعطاء داخل دائرة الاحتكاك اللساني وتبادل الرأي والاستماع إلى الرأي البديل . صحيح أن هذا الحوار وصل أحياناً إلى درجة من السخونة، ولكن ظل الأمر حوارياً وجدلياً لا تتشابك فيه الأيدي إلا للمصافحة، وتبرز في الوقت نفسه الشخصية المحورية التي هي شخصية الشيخ زايد وقيادته العالية الجودة في الإشراف وفي تسهيل الولادة العسرة لهذه الدولة الفتية . وخلال السنوات الثلاث التي مرت على مباحثات تشكيل دولة جديدة، سواء التساعية الخليجية أو السباعية الإماراتية، بين الأعوام 1968 و،1971 كان المراقبون الواعون غير المتأثرين بالغوغائية الشعاراتية، يرون أن قيام دولة عصرية جديدة بات أمراً لا مناص منه، لا سيما وهم يلمسون الحماسة من الشيخ زايد بن سلطان، هذه الحماسة وهذه الجدية اللتان وضعتا في إطار الشد والمد من الحوار الديمقراطي وتبادل الرأي واستبعاد الفرضية والإكراه . إذاً، العقل والتدبير كانا المسيّرين للموقف من تأسيس الدولة، وهنا يبرز رجل دولة قدير، هو الشيخ زايد بن سلطان، بين رجال دول قديرين في التاريخ الإنساني، تركوا مآثر محمودة في القيادة المدبرة، وأهم هذه المآثر التي تركها زايد بن سلطان قيام مجتمع فيدرالي البنية السياسية في منطقة تسود بقاعها المركزية المطلقة، وفي هذه البنية الفيدرالية منافع للناس قد لا يجدها المرء ذو التوجه الليبرالي، في أماكن كثيرة في المنطقة . ولدى إعلان قيام الدولة كان هناك تريث وتردد من البعض لاستجلاء مزيد من الوضوح في الهيكلية الاتحادية، وظن آخرون أن قيام الدولة برئاسة الشيخ زايد قد يلجأ إلى الفرضية المتسمة بالصرامة ضد أي سلبية، ولكن زايد ظل كما عهده الناس متجنباً المواقف التي يولدها الانفعال، وظلت العقلانية تواصل السير في الحوار والإقناع المنطقي بلغة دبلوماسية رزينة، وهنا سجل التاريخ مرة أخرى للشيخ زايد بن سلطان بعداً جديداً من سعة الأفق وضبط النفس والسماحة التي هي من الصفات المطلوب توافرها في الربان القدير والنوخذة الماهر الذي يعرف كيف يجنب سفينته الصعاب والشدائد وسط تلاطم الأمواج، والقلق المخيم على النفوس .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"