«الصفقة» لهم.. والخلافات لنا

03:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

الخطة غير قابلة للتنفيذ؛ لأنها لن تجد شريكاً فلسطينياً، وإذا قامت سلطات الاحتلال بتنفيذها أحادياً، فإنها تخاطر بتفكك السلطة الفلسطينية.

هناك خبث في صياغة تفاصيل «صفقة القرن»، لأن من وضعها أراد من وراء ذلك تحويل الاختلاف حول الصفقة، إلى خلاف عربي - عربي، والابتعاد عن جوهر الصفقة، مثلما نجح «الإسرائيليون» في تحويل نزاعهم مع إيران حول الملف النووي إلى قضية عربية - إيرانية لا علاقة لهم بها.

الآن يدور سجال عربي - عربي يشارك فيه يهود بأسماء عربية أو عبرية صريحة عبر وسائط التواصل الاجتماعي ونبش للأحقاد وترويج للفتنة بين العرب واختلاق صفحات وهمية لبث الأحقاد، هدفها التغطية على جوهر القضية موضع الخلاف. فسمعنا تبادلاً للشتم والتحقير بين العرب أنفسهم وغاب أدب الحوار، وظهر «الليكود العربي» الذي نشأ بعد اتفاقات كامب ديفيد، وبث أفلام فيديو يشتم فيها بعض «السذج العرب» وبعضهم يشيد ب«أبناء العم اليهود»(!!). ويتجاهل كل هؤلاء مضمون ما نختلف عليه. فالصفقة التي انقسم العرب حولها لا تشكل أي أساس للسلام.

فلماذا يأتي البعض لينصح الفلسطينيين بقبول التنازل عن المقدسات، و90 بالمئة من أرض فلسطين وكل مياهها وسمائها، ويرضى بعبودية مؤبدة تحت الاحتلال؟!

الصفقة تشير إلى بصمات من ساهم في صياغتها، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو الذي أودع فيها أفكاره الواردة في كتابه الشهير «مكان تحت الشمس»، حتى أن الرئيس الأمريكي ترامب في احتفال الإعلان عن الصفقة، أورد فقرة من كتاب نتنياهو حرفياً. كما يتضح أيضاً أن ضم منطقة المثلث إلى الضفة ضمن التطهير العرقي هو فكرة طالما نادى بها دعاة التطهير العرقي بدءاً من بن غوريون إلى رحبعام زيفي وصولاً الى أفيجدور ليبرمان حالياً. وتم إدراج كل مطالب قادة المستوطنين في الصفقة، وأخذ كل ملاحظات قادة الجيش «الإسرائيلي» وكبار رجال الأعمال والحاخامات.

بمعنى أن جاريد كوشنر كان يلبي كل المطالب «الإسرائيلية» الأمنية والاقتصادية والسياسية والتاريخية، وفوق كل ذلك الطلب من الفلسطينيين أن يشطبوا اللاجئين وكل القرارات الدولية حول القضية الفلسطينية، وهذا انقلاب قانوني لم يشهد له العصر الحديث مثيلاً.

فالخطة غير قابلة للتنفيذ، لأنها لن تجد شريكاً فلسطينياً، وإذا قامت سلطات الاحتلال بتنفيذها أحادياً فإنها تخاطر بتفكك السلطة الفلسطينية، حيث سيجد الاحتلال نفسه مضطراً لإعادة الحكم العسكري مباشرة، وإدارة شؤون حياة الفلسطينيين، ما يعني عملياً العودة إلى نقطة الصفر. فالخارطة التي نشرت للأراضي الفلسطينية يلاحظ أنها تقسم الضفة الغربية إلى ست مناطق غير مترابطة وتسيطر سلطات الاحتلال على مفارق الطرق فيها، ما يعني نفي مسمى الدولة الفلسطينية والتواصل الجغرافي، أما الحديث عن إمكانية إجراء تعديلات لاحقة على الخطة، كما أشار، فهو خدعة كلامية، لأن ما نشر هو ما سيطبق، خاصة الشق «الإسرائيلي» وبسرعة، بينما ما هو للجانب الفلسطيني فسيبقى مؤجلاً مثلما حدث في اتفاقات أوسلو، حيث لم ينفذ «الإسرائيليون» أي بند لمصلحة الفلسطينيين.

يبقى هناك موقف حركة حماس التي أعلنت رفضها للخطة، ودعا رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية حركة فتح إلى مؤتمر وحدوي، لكن حركة فتح التي أعدت وفداً للتوجه إلى غزة لم تتلق رداً من حماس حتى الآن. فالانقسام الفلسطيني بات هو النكبة الجديدة إضافة إلى الصفقة، لأنه ساهم في إنتاجها وأصاب الموقف الفلسطيني الداخلي بالوهن.

ومع ذلك، يمكن أن نلاحظ أن الخطة الأمريكية - «الإسرائيلية» أضافت جيبين في صحراء النقب جنوب غزة بدلاً مما ستضمه إلى الكيان الاحتلالي ولو بمساحة أقل من مساحة الضم، وهذان الجيبان يبدوان كتكملة لمشروع إنعاش غزة، كما ورد في الملحق الاقتصادي الذي ينص على إقامة منطقتين صناعيتين وتجاريتين جنوب غزة، وكأن الخطة استعدت للرفض الفلسطيني واحتاطت بدولة غزة مستقبلاً. من هنا نفهم بعض التصريحات «الإسرائيلية» التي تتحدث عن مرحلة ما بعد أبو مازن لإيجاد قيادة بديلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"