دبلوماسية الألعاب الأولمبية والأزمة الكورية!

04:52 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

يعود التوتر القائم بين الكوريتين وبين كوريا-الشمالية والولايات المتحدة إلى الحرب الكورية (١٩٥٠ -١٩٥٣) والتي لم تنته رسمياً بعد، كما ذكّر الرئيس ترامب في إحدى تغريداته مؤخراً، ذلك أن العلاقة بين الكوريتين لا يزال يحكمها اتفاق الهدنة.
وفي العام الماضي بعد استلام ترامب للسلطة بلغ التوتر ذروته وحبس العالم أنفاسه خشية حرب نووية محتملة بعد سياسات «حافة الهاوية» التي انتهجها حيال الآخر كل من الزعيمين الأمريكي والكوري-الشمالي.
بالطبع ما من توازن عسكري يسمح لكوريا الشمالية بمقارعة أمريكا، لكنها قادرة على تدمير عواصم حليفة لواشنطن مثل سيول وطوكيو في الساعة الأولى من حرب محتملة. ومن جهة أخرى فقد أثبتت الدبلوماسية و كل العقوبات الاقتصادية والسياسية التي تبنتها أمريكا ومجلس الأمن، لاسيما منذ العام ٢٠٠٦، فشلها في منع بيونج يونج من تطوير ترسانتها النووية والصاروخية، وبالتالي وصلت الأزمة الى حائط مسدود.
وفي بداية العام الجاري فاجأ كيم جونغ-أون الجميع بإعلانه عن إرسال فريق للمشاركة في الألعاب الأولمبية الشتوية، في شباط/فبراير، في بيونج شانج في كوريا الجنوبية. ثم حطت شقيقته كيم يو-جونغ في مطار اينشيون على متن طائرة بيضاء عملاقة روسية الصنع حيث شاركت في افتتاح هذه الألعاب.
ثم بدأت تسريبات صحفية تتكلم عن اتصالات بين الاستخبارات الأمريكية ونظيرتها الكورية-الشمالية بوساطة من مدير الاستخبارات الكورية-الجنوبية الذي نقل دعوة من كيم جونغ-أون للقاء ترامب. هذا الأخير سارع الى إبداء التجاوب فأرسل مدير ال«سي.آي.ايه» مايك بومبيو الذي كان عينه للتو وزيراً للخارجية إلى بيونج يونج لمقابلة زعيمها، في نهاية آذار/مارس الماضي، وخرج من اللقاء بانطباع «كان جيداً وقد يؤسس لعلاقة جديدة بين البلدين» على ما غرد ترامب.
هذا اللقاء كان الأرفع مستوى منذ لقاء وزيرة الخارجية في إدارة كلينتون مادلين أولبرايت في العام ٢٠٠٠ مع كيم جونغ-ايل والد الزعيم الحالي، في بيونج يونج.
وفي التاسع من إبريل/نيسان أكد ترامب وجود اتصالات ناشطة مع كوريا الشمالية وفي ١٨ من الشهر نفسه تكلم عن لقاء محتمل في بداية يونيو/حزيران مع الزعيم الكوري-الشمالي «إذا سارت الأمور كما ينبغي» وكل المعلومات تؤكد أن المباحثات ناشطة حول مكان وزمان هذا اللقاء الذي تطمح عواصم عديدة لاستضافته.
دور سيول كان حاسماً في هذا التقارب، فهي معنية أكثر من غيرها بعدم نشوب حرب أمريكية-كورية شمالية ستكون هي أولى ضحاياها. وكان الرئيس الكوري-الجنوبي مون جاي-ان قد أعلن بأنه سيمد يده إلى نظيره الشمالي، والذي استغل الفرصة ليكشف عن عزمه المشاركة في الألعاب الأولمبية الشتوية. وهذا ما يذكّر بدبلوماسية البينغ بونغ في عهد الرئيس نيكسون على يد هنري كيسنجر والتي فتحت عصراً جديداً من العلاقات الأمريكية-الصينية.
وتتكلم الصحافة الكورية-الجنوبية عن وجود اتصالات مكثفة بين الكوريتين في بحث عن معاهدة سلام في مقابل نزع البرنامج الكوري-الشمالي. وقد غرد ترامب مباركاً مثل هذه الخطوات. ثم أعلن كيم جونغ-أون أن بلاده ستتوقف اعتباراً من ٢١إبريل/نيسان عن إجراء التجارب النووية والصاروخية وستغلق موقعاً للتجارب النووية شمال البلاد إثباتاً لصدق نواياها. ورحب ترامب بهذا التطور معتبراً أنه «نبأ سار للعالم ولكوريا الشمالية».
وهكذا يبدو أن كوريا الشمالية استخدمت التكتيكات نفسها التي اتبعتها في الماضي فجمعت بين سياسة حافة الهاوية والالتزام بالسلام. لكن هل ستنجح دبلوماسية الألعاب الشتوية في إنهاء الحرب الكورية هذه المرة؟
المشككون يعتقدون أنه من غير المحتمل أن يتخلى كيم بهذه السهولة عن ترسانته النووية التي وضعها في الدستور والتي صرفت بلاده الكثير من الجهود والأموال والتوترات طيلة عقود طويلة لتطويرها بشكل جعلها قوة مهابة ردعت واشنطن عن غزوها أو ضربها عسكرياً. كما أن ترامب بتهديده المستمر بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني يبرهن بأنه لا يحترم الاتفاقات.
المتفائلون يعتقدون بأن المناخ جد ملائم لأن واشنطن باتت مقتنعة بعد نجاح التجارب النووية والصاروخية الكورية-الشمالية بأن وضع حد للنزاع الكوري بات أمراً أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى بالنسبة للأمريكيين قبل غيرهم. ويمكن للزعيمين المفاخرة بنجاح سياسة حافة الهاوية التي اعتمداها، فيما لو نجحا في التوصل إلى اتفاق. كذلك فإن كيم يمكنه الاعتداد بأنه فرض على واشنطن التعامل معه بندية فانتزع منها الاحترام والأمن.
لكن يتفق الخبراء على أن الصعوبة تكمن ليس في الالتزام الشكلي بنزع النووي من قبل بيونج يونج ولكن بقبولها لروزنامة واضحة محددة للتوصل إلى ذلك مع آليات مراقبة دولية لمواقعها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"