الحل التاريخي لقضية فلسطين مؤجل

03:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

من الواضح ومن المؤكد ان كل التحركات السياسية التي تجري الآن على الساحات الفلسطينية والعربية والدولية، تحت عنوان ايجاد حل ما للصراع العربي الإسرائيلي (الذي تقلص اسمه مؤخراً ليصبح: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي) لا تؤدي إلا إلى تأكيد شيء واحد، هو ان الحل التاريخي للقضية، ما يزال مؤجلاً، بل انه اليوم مؤجل أكثر من أي يوم مضى، وان كل ما يجري من تحركات (فلسطينياً وعربياً ودولياً)، لا يعدو كونه محاولة ترتيب للاوضاع الراهنة تحت الهيمنة الإسرائيلية، المستشرية والمستقرة منذ اربعة عقود على الأقل.

وحتى لا نطيل الحديث على قارئ هذه العجالة الصحافية، فان الحل التاريحي الطبيعي لا يمكن ان يكون سوى معالجة جميع آثار النكبات التي أوجدتها نكبة ،1948 على جميع المستويات السياسية والبشرية والجغرافية والثقافية. ومن المؤكد أن المدخل الوحيد لحل جدي وجذري له هذه المواصفات التاريخية، لا يبدو ممكناً إلا بخطوة أولى حدها الأدنى تطبيق كل قرارات الامم المتحدة ذات العلاقة، خاصة القرارات 181 و194 و242 بحذافيرها (أي ليس بفتح باب التفاوض بشأنها)، وهذا المدخل هو وحده المرشح اذا تم واكتمل، لفتح الباب أمام ازالة ما أمكن عملياً من آثار الجريمة التي تمت في العام 1948 (وما تلاه)، ما يؤدي إلى وضع انساني وسياسي يمكن من خلاله (ومن خلاله وحده)، إيجاد استقرار حقيقي في المنطقة، وفتح كل أبواب التنمية الهادئة والخصبة أمام كل شعوبها.

لكن الحل التاريخي، بهذه المواصفات الضرورية والحتمية، يبدو اليوم مؤجلاً، أكثر من أي يوم مضى.

فعلى الساحة الفلسطينية، يبدو أن العمل السياسي الفلسطيني، قد تفككت عناصره، حتى اصبح المجتمع الفلسطيني (في فلسطين والمهجر العربي والشتات الدولي) في واد، ومنظماته السياسية ومؤسساته السياسية، في واد آخر. ثم ان احتمال عودة اجتماع شمل كل المنظمات الفلسطينية الكبرى والصغرى، تبدو فرصه الحقيقية آخذة في التضاؤل لا في التزايد، مما يعلن عن مرحلة شديدة الضعف في تاريخ العمل السياسي الفلسطيني، لا تبدو قادرة على أخذ زمام تنظيم الحياة البشرية اليومية للفلسطينيين، فكيف بالقدرة على فرض حل تاريخي عادل وشامل لقضيتهم؟

أما على الصعيد العربي، فقد كنا قبل سنوات بدولتين عربيتين متبرئتين من الصراع بطبيعته العربية الإسرائيلية الشاملة (مصر بعد اتفاقية كامب دافيد، والاردن بعد اتفاقية وادي عربة)، فأصبحنا اليوم، وبعد مرور ثلاثة عقود على التنصل العربي الأول في كامب دافيد، أمام وضع عربي عام نافض يديه من كل عناصر ومقومات وأساسيات الصراع التاريخي، ومتوجه إلى اعتبار الصراع مجرد مشكلة انسانية لقسم من عرب فلسطين، يمكن حلها باقامة كيان سياسي لهم على ما تبقى من أرض فلسطين، هو اقرب إلى دويلة شديدة الضعف، لا تملك لتأمين مقومات الحياة والاستمرار، سوى الخضوع لهيمنة إسرائيل الكبرى، كياناً مكملاً لكل ما تحتاجه من محيطها الفلسطيني المباشر، ومحيطها العربي الاوسع.

ولا يوجد في ساحات العمل العربي ما يبشر باحتمالات عربية جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي التاريخي، بل ان المؤشرات كلها أصبحت تتجه بوضوح إلى التنصل بأسرع ما يمكن من تبعات الصراع التاريخي واثقاله ومسؤولياته، بالتفاهم مع الأوضاع الحالية التي أفرزتها ستة عقود من الصراع، بكل ما يعنيه ذلك من التنازل أمام الانتصار الكاسح للمشروع التاريخي الاساسي للحركة الصهيونية، كما خطط له الآباء الأوائل للحركة الصهيونية. وليست كواليس المؤتمر الأخير الذي حمل عربياً عنوان حوار الاديان، ودولياً اسم ثقافة السلام، الذي تمثل اليهود فيه بعتاة الحركة الصهيونية، سوى مؤشر واحد للتوجهات العربية الراهنة، في هذه المسألة التاريخية.

لا داعي بعد ذلك لمزيد من التحليل لاكتشاف أساسيات الموقف الدولي العام في هذه المسألة، ما دام العامل الفلسطيني فيها، والعامل العربي، على هذه الدرجة من التفككك والتهافت والتراجع، فالمجتمع الدولي لم يكن يحتاج إلى أفضل من هذه الاوضاع الفلسطينية والعربية، ليبرر عملية غسل يديه من المسؤولية التاريخية عن جريمة اغتصاب فلسطين لاهدائها للحركة الصهيونية (وليس لليهود الذين لم يظلموا أصلاً إلا في أوروبا)، بغض النظر عما يمكن ان يسببه مثل هذا المشروع من كوارث بشرية، لا حصر لها، مادياً وزمنياً، على حد تعبير فيلسوف التاريخ البريطاني ارنولد توينبي.

ان الوضع الانساني (والسياسي) لقطاع غزة كفيل وحده بالتعبير عن الوضع الراهن لقضية فلسطين في ميزان التاريخ، فهو قطاع جغرافي لا يطمح اليوم إلى أكثر من ان تتفضل عليه إسرائيل، عبر المعابر الجوية والبرية والبحرية، التي تسيطر عليها خلافاً لكل قرارات الامم المتحدة، تحت سمع وبصر دول هذا المجتمع الدولي نفسه، بالسماح بدخول ما يلزم من ضرورات الحياة اليومية لأي مجموعة بشرية. وهذا طبعاً بعيد جداً عن ان يكون مرادفاً للحل التاريخي المنشود لقضية فلسطين، الذي يبدو في هذه المرحلة، مؤجلاً أكثر من اي يوم مضى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"