كفانا شكاوى واستغاثات

02:36 صباحا
قراءة دقيقتين
د.عبدالعزيز المقالح

أعتقد أنه لو حاولت مجموعة من الباحثين إحصاء الشكاوى التي تقدمت بها بعض الشعوب إلى مجلس الأمن، والمنظمة الدولية للأمم المتحدة، لكان أغلب تلك الشكاوى من الأقطار العربية، وهي شكاوى مزمنة يعود أكثرها إلى بداية إنشاء هذه المنظمة. ولم يحدث أن تقدم شعب، أو جماعة بشكوى واحدة من هذه الأقطار التي تعاني مظلومية تاريخية تتجدد موضوعاتها ودلالاتها بتجدد الزمان والأحداث.
وإذا كانت المنظمة الدولية ومجلسها يتخذان دائماً من الشكاوى العربية موقف الصمت في الأغلب، فإن موقفاً إيجابياً واحداً لم يحدث مقابل هذا الكم الهائل من الشكاوى، وأحياناً من الاستغاثات العاجلة.
وما يحدث الآن من تحديات عدوانية إقليمية في بعض المناطق الساخنة ما يجعل المتابع تجاه ردود الأفعال التي لا تخرج عن السياق المعروف والمألوف، وأعني به سياق الشكاوى مع المعرفة المسبقة التي تؤكد عقم هذا الموقف وما يصدر عنه من استمرار الأعداء في عدوانهم واستفزازاتهم. إن كثيراً مما يقال عن الحكمة وتجنب التحدي المماثل ما هو إلاَّ شعار العاجزين والتعبير الأوضح عن تفكك الأمة، وترك أطراف الوطن العربي عرضة للعدوان والتهديد المستمر، والعالم على يقين بأن موقفاً موحداً وحازماً للأقطار العربية كفيل بأن يردع أي معتد أجنبي أو إقليمي، فما يمثله الوطن العربي من ثقل على المستويين الدولي والإقليمي ليس محل تجاهل، أو تشكيك.. والسؤال المؤرق، والمهم هو: متى سيكون التضافر وإظهار الشعور المشترك إن لم يكن في هذه الأوقات التي تحاول فيها بعض القوى المعادية إبراز أنيابها وإظهار ما تخفيه من نوايا سيئة؟ ولهذا، فإن القطر العربي الذي يتقدم بالشكوى إلى منظمة الأمم المتحدة، أو المجتمع الدولي لا يلام، وإنما اللوم كله ينبغي أن يصب على بقية الأقطار الشقيقة التي تقابل كل ما يحدث لذلك القطر بالصمت، والتجاهل المطلق.. وما دام ذلك هو حالنا، فإننا لا بد أن نتوقع المزيد من العدوان الذي يضرب هنا، ويضرب هناك.
وفي يقيني أن الوطن العربي بكل إمكاناته المادية والمعنوية في حالة سبات ولن يفيق مهما تعددت الضربات، وتكرر العدوان.
ومن أماني كل عربي أن تتوقف الشكاوى، وتتحول إلى مواقف ولو محدودة، ولن تتحقق هذه الأمنيات في غياب الشعب العربي وانشغال أقطاره بالصغير والثانوي من الأمور.
فغياب الشعوب هو الذي يصنع الحالة الراهنة، بكل ما فيها من ضعف واستسلام لردود أفعال الواقع. يضاف إلى ذلك ضعف دور المنظمات المدنية، وانشغالها بصغائر الأمور أيضاً. لذلك لم يبق أمام الجميع سوى وسيلة واحدة هي الشكوى لمنظمات غائبة جذورها، ولمجتمع دولي غير فاعل، ولا موجود.
كل هذا جعل من المستحيل تجاوز الحالة الراهنة، والعبور نحو المستقبل بكل ما يمثله للشعوب الحية من معالم التطور والتغيير نحو الأفضل.
ومهما تكن المعوقات، فإن باب الأمل ينبغي أن يظل مفتوحاً، لاسيما لدى الأجيال الجديدة، وطموحاتها وأحلامها المختلفة، وشعورها العميق بأنها تمثل زمناً جديداً، وحياة مملوءة بكل ما تطمح إليه، وتفكر فيه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"