غربة الشعراء وقود القصيدة

03:33 صباحا
قراءة دقيقتين
ليس العيد هو تلك الشمس التي تطل بفرح الضوء صباحاً فتستقبلها الثياب الجديدة والعطور الفريدة وتضحك لها الوجوه وتغني لها المشاعر، إنما العيد هو الشمس التي تشرق من وجه الأم والضوء الذي يشع من محيا الأب والعطر الذي ينبعث من قلوب الناس وهم يتصافحون بالبسمة، العيد هو تلك الأسرة التي تخرج محفوفة بمواكب السعادة وهي تتقدم بخطوات تحملها الفرحة إلى المصلى، أو تلك التي تحركها عاطفة الرحم لتطرق أبواب الحارات وتنثر ورد الصفاء والمحبة والإنسانية في شوارع المدينة.
العيد هو السعادة الدائمة في الروح، وكما يقول أرنست همنغواي «السعادة عيد غير ثابت التاريخ» العيد لا يرحل مع الشمس وقت المغيب، بل هو الشمس التي لا تغيب، هو التطلع إلى أن يكون اليوم حافلاً باللقاء عامراً بالعطاء، متحفزا للبناء، العيد هو التغيير الإيجابي والشعور بالبقاء والقوة كما يقول مصطفى صادق الرافعي «ليس العيد إلا إشعار هذه الأمة بأن فيها قوةَ تغيير الأيام، لا إشعارها بأنّ الأيام تتغير» والتغيير لا يعني زمناً واقفاً جامداً، إنما هو الاستمرار في بناء الأوطان وحب الإنسان، أما اقتصار تعريف العيد على يوم أو بضعة أيام فهو شيء جميل إذا اعتبرناه مرحلة تجديد للهمم لتنطلق بعد ذلك بثبات وفرح من أجل الحياة، بخلاف من ينتظر هذا اليوم ليفرح في ساعات معدودة ثم يتلاشى مع الوهم والألم، ولذلك يقول طاغور «العيد الذي طالما ننتظره ينقضي في يوم واحد».
تناول الشعراء العيد بحالات مختلفة، منها ما هو متطلع إلى القادم الأجمل، ومنها ما هو يحمل هم الأيام وانكسارات السنين ليستقبل بها العيد الذي ربما يكون أكثر ألماً وأشد لوعة من بقية الأيام، ومن لا يتذكر ذلك المتنبي الذي عقدت المعاناة صداقة معه حيثما رحل، فغربة الشعراء وقود الشعر وعود ثقاب القصيدة، ومن الغربة ما منحنا الشعر العذب الذي تدفق من مشاعر ملتهبة، وللمتنبي مع الغربة والعيد الكثير ومنها ما يقول: «يضاحك في ذا العيد كلٌّ حبيبه/ حذائي وأبكي من أحب وأندب/ أحن إلى أهلي وأهوى لقاءهم/ وأين من المشتاق عنقاء مغرب».
هذا الحنين الذي جعله يهرب من معاناته مع كافور الإخشيدي في مصر ليحمل هذه المعاناة في يوم الفرح عائداً بانكسارات طموحاته إلى تراب الوطن وهو يقول: عيدٌ بأية حالٍ عُدت يا عيدُ/ بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديدُ «وربما كان عيد المعتمد بن عباد أكثر ألما وقسوة، فقد كان قبل ذلك في قصوره ينعم بالفرح ويطلب الناس رضاه، ثم أصبح هو من يبحث عن ضوء فرح في منفاه بأغمات وهو يرى الحزن الكبير في وجوه بناته، فقال: «فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا/ فساءك العيد في أغمات مأسورا/ ترى بناتك في الأطمار جائعة/ يغزلن للناس لا يملكن قطميرا/ برزن نحوك للتسليم خاشعة/ أبصارهن حسيرات مكاسيرا». العيد مع حزن المعتمد الذي تراكمت عليه الهموم والمآسي أصبح هرماً كما يقول يوسف المحيميد «العيد رجل كل سنة يهرم أكثر»، ولكن يبقى العيد هو الضوء الذي يخرجنا من نفق مظلم إلى فضاء مفعم بالسعادة.

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"