عادي
طلاسم « ديليفري» في طرود بريدية

السحر والشعوذة.. تجارة البائس وإفلاس اليائس

00:48 صباحا
قراءة 7 دقائق
أحجبة وأدوات الشعوذة
طلاسم ديليفري

تحقيق: محمد الماحي
أعمال السحر والشعوذة آفة خطيرة تهدد أمن المجتمع واستقرار بنيانه، وعمل يفتك بالأفراد والأسر، ويمزق أواصر المحبة وروابط الأخوة بينهم، ويتنافى مع قيم الدين الحنيف، إلا أن هناك بعض ضعاف النفوس يلجأون إلى الدجالين بعد ما أصابهم يأس في مشكلة واجهتهم آملين في حلها، وهم موقنون أن الدجل والشعوذة خديعة لا تعود بالنفع على صاحبه.

1
سالم زايد الطنيجي

وتزايدت أعمال السحر والشعوذة في الفترة الأخيرة على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذل لمكافحتها، وتصدّرت العمالة الوافدة والقادمون بزيارات سياحية في الدولة قضايا السحر والشعوذة، وخاصة أولئك الذين يحضرون من بلدان اشتهرت بممارسة السحر، حيث يدخلون البلاد بتأشيرة زيارة، متوارين خلف مهن مطلوبة في الدولة، ليخدعوا ضحاياهم ويبيعوهم الوهم في عمليات دجل تكررت كثيراً لتتحول إلى آفة خطرة تهدد استقرار بنية المجتمع في الدولة وتؤثر في أمنه.

1
خالد أحمد

تستمر حملات التوعية والتحذير من مؤسسات المجتمع للتصدي للسحرة لما يمارسونه من ابتزاز للضحايا، كسباً للأموال بطرق سريعة غير مشروعة، حيث تؤكد شرطة أبوظبي أنها لن تتهاون إزاء المشعوذين والدجالين «السحرة»، وأنها ستتابع أنشطتهم وتتصدى لهم بكل حزم، آملة في الوقت نفسه تعاون أفراد المجتمع في الإبلاغ عن كل من يمارس مثل تلك الأعمال التي تتنافى وقيم الدين الحنيف والسلوك القويم.

أوضحت النيابة العامة للدولة، من خلال مادة فيلمية نشرتها على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، عقوبة ارتكاب أعمال السحر والشعوذة، وأشارت إلى أنه طبقاً للمادة 316 مكرر-1، من قانون العقوبات الاتحادي يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف درهم، كل من ارتكب عملاً من أعمال السحر أو الشعوذة، سواء كان ذلك حقيقة أو خداعاً.

1
جمال سالم الجلاف

الحسابات الإلكترونية

تغيرت في الآونة الأخيرة أنشطة السحرة والمشعوذين للهروب من الملاحقة القانونية لأعمالهم المحرمة شرعاً والمجرّمة قانوناً، ولجأوا إلى اختراق الحسابات الإلكترونية ليعرضوا خدماتهم ودجلهم، ويسوقوا أوهاماً خادعة، باستعراض قدراتهم، لكن المشرّع كان لهم بالمرصاد، حفاظاً على أمن وسلامة المجتمع، لاسيما أن أساليبهم في المكر والخداع تنطلي على البسطاء، كما ينخدع فيهم عدد ليس بقليل، لذلك تم تغليظ وتشديد العقوبة المقررة لأفعال السحر والشعوذة للقائمين بهذه الأفعال، وشملت العقوبة أيضاً الشخص الذي يستعين بالساحر أو المشعوذ، وقد أورد التعديل الجديد صوراً جديدة لم يسبق أن شملتها مواده السابقة، إذ تضمن خمس صور جديدة للقائم بهذه الأفعال، سواء كانت بمقابل أو بدون - ومنها القول أو الفعل المخالف للشريعة الإسلامية إذا قصد به التأثير في بدن الغير أو قلبه أو عقله أو إرادته مباشرة أو غير مباشرة حقيقة أو تخيلاً، والتمويه على أعين الناس أو السيطرة على حواسهم أو أفئدتهم بأي وسيلة لحملهم على رؤية الشيء على خلاف الحقيقة بقصد استغلالهم أو التأثير في معتقداتهم أو عقولهم، بقصد استغلال الناس.

1
حمد محمد بن صراي

الواقع والخيال

المرأة هي ضحية أوهام وأكاذيب السحرة والمشعوذين الأولى، فمهما كانت المرأة على قدر من الثقافة والذكاء لا يمكنها التمييز بين منطق الواقع والخيال، وأكثر ما يدفعها للذهاب إلى السحرة هي أمور تتعلق بالحب والزواج، لأنها لا تدرك أن تلك الأمور متعلقة بالنصيب، بالإضافة إلى أن بعض النساء يتصفن بضعف الشخصية والإحساس بعدم الأمان وغير متصالحات مع أنفسهن، بمعني أنهن لا يحببن أنفسهن، وإذا فقدت المرأة هذا الشعور مع غياب الثقة بالنفس وعدم الشعور بالأمان، عندها تلجأ للمشعوذين، ويمكن أن تتظاهر المرأة بالذكاء لكن الإنسان السوي لديه ذكاء ويستخدمه بالشكل الصحيح، بينما الإنسان غير السوي يستخدم ذكائه بشكل خاطئ.

وأكد مدير الإدارة العامة للتحريات والبحث الجنائي في شرطة دبي، العميد جمال الجلاف أن 80 % ممن يلجأون إلى السحرة هم من النساء، وغالبيتهن يلجأن إلى هذا الفعل من أجل استعادة الأزواج، أو لاعتقادهن أنهن مسحورات، وبالتالي فالسحرة يمثلون ملجأهن الوحيد، وغالباً ما يقعن ضحايا لهؤلاء بخسارة أموال طائلة، ومنهن من يخجلن من الإبلاغ حتى لا يفتضح أمرهن.

قضايا منظورة

وكشفت الوقائع جلسات قضايا منظورة أمام المحاكم داخل الدولة، حيث أيدت المحكمة الاتحادية العليا حكماً، قضى بحبس مشعوذ وإبعاده عن الدولة، رافضة ادعاءاته بأن ما قام به كان من باب الرقية الشرعية المباحة، فيما ذكرت النيابة العامة أن«المتهم، الذي يزعم أن لديه القدرة على تفريج الكرب»، مارس أعمال سحر وشعوذة وهتك عرض امرأة، وقعت ضحية لأعماله.

وكانت النيابة العامة أحالت المتهم إلى المحاكمة، موجهة إليه ثلاث تهم: الأولى هتك عرض امرأة بالإكراه، مستعيناً بأعمال السحر والشعوذة، والثانية ارتكابه عملاً من أعمال السحر والشعوذة بأن أثر في بدن المجني عليها وفي إرادتها، باستخدام كتابات شركية وطلاسم شعوذة مكنته من ارتكاب الجريمة موضوع التهمة الأولى، والثالثة حيازته طلاسم وأدوات مخصصة للسحر والشعوذة.

وفي واقعة أخرى تمكنت فرق مكافحة الجرائم الاقتصادية بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي من إلقاء القبض على مشعوذ عربي الجنسية، قبل أن يتلقى 10 آلاف درهم من إحدى الضحايا، حيث كان يوهم ضحاياه بقدرته على جلب الحبيب.

كما ضبطت كميات من الطلاسم والتعاويذ ومياه غريبة ومجموعة أقفال وأحراز، كما ضبطت شرطة أبوظبي مشعوذاً، من الجنسية الأوروبية، متلبساً وهو يمارس السحر والشعوذة، موهماً زبائنه بقدرته على معالجة مشكلاتهم النفسية والأسرية، وتخفيف أعباء وضغوط الحياة اليومية عن طريق استخدام السحر والشعوذة.

وخرجت أعمال السحر عن شكلها المعروف لتصل إلي جرائم إلكترونية، مثلها مثل قضايا النصب والاحتيال الإلكتروني. ففي دبي، ضبطت الشرطة طالباً جامعياً من إحدى الجنسيات العربية يروج لبعض الأدوات التي تستخدم في السحر والعلاج منه. واستغل موقعاً إلكترونياً، وبدأ يروج عبره لمنتجاته التي ادعى أنها تشفي من الأمراض، وتحل العقد، وتزوج الفتيات، وتفك الأسحار وغيرها.

تحقيق أحلام

يلجأ بعض الأشخاص إلى أعمال السحر والشعوذة لإيذاء آخرين، أو سعياً وراء تحقيق أحلام عجزوا عن الوصول إليها بالوسائل المشروعة، ووصل الأمر إلى طلب هذه الأعمال من دول إفريقية عبر طرود، مشمولة بخدمة ال«ديليفري»، لتصل إلى منازلهم، كما يحاول مسافرون تهريب هذه الأشياء في حقائب سفرهم لإخفائها عن أعين مفتشي الجمارك، وهذا ما كشفت جمارك دبي أنها سجلت 35 محضراً لتهريب مواد تتعلق بالسحر والشعوذة في مطارات دبي خلال السنوات الثلاث الماضية«2018- 2020»، وبلغ وزنها نحو 68.4 كيلوجرام، إذ أكد مدير أول إدارة عمليات المسافرين مبنى «المطار رقم 1»، خالد أحمد، أن جمارك دبي تقف بالمرصاد لكل من يحاول تهريب أدوات السحر والشعوذة والتعامل معها بمنتهى الاحترافية بهدف منع المخالفة قبل وقوعها.

وأضاف:«يتم تدريب كادر التفتيش في جمارك دبي على التعامل مع مثل هذه الأنواع من المضبوطات بشكل احترافي، من خلال محاضرات توعية وتثقيف، بالتنسيق مع دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، كما يتم نقل المضبوطات المصادرة إلى المستودعات، ثم يتم عرضها على مختصين للتعامل معها وفق الطرق والأساليب المناسبة».

سلوك سلبي

ينصح مختصون اجتماعيون ونفسيون وقانونيون الأفراد بعدم التعامل مع المشعوذين، مؤكدين أن عليهم معالجة مشاكلهم عند أصحاب الاختصاص، حيث اعتبر الخبير التربوي سالم زايد الطنيجي، لجوء أي كان من الأشخاص إلى المشعوذين سلوكاً سلبياً، قائلاً: إن الشخص لا يقوم بهذا السلوك إلا بعد حالة من اليأس بعد أن أوصدت الأبواب أمامه، ويضيف: وهو ربما يعلم أن اللجوء إلى الشعوذة لن يحل مشكلته، لكنه يحاول من باب الأمل في حل المشكلة في ما يتناقض هذا السلوك مع العصر الحديث، مستغرباً لجوء الإنسان العصري الذي يستخدم كل الأدوات والتقنيات الحديثة، إلى الشعوذة، مشيراً إلى أنه أسلوب تقليدي لا يؤدي إلى حل المشاكل بل يفاقمها.

أما الدكتور حمد محمد جمعة بن صراي الأستاذ بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الإمارات، فاعتبر الشعوذة والدجل من الظواهر الدخيلة على مجتمع الإمارات، ويعزو وجود هذه المشكلة إلى تعدد الثقافات والمعتقدات التي أفرزت في الآونة الأخيرة ظواهر لم تكن مألوفة في دولة الإمارات، وفق تعبيره.

وأرجع الظاهرة إلى قلة الوعي والاستعجال في الحصول على نتائج سريعة، حسب الهدف المطلوب، مضيفاً أن الحالة النفسية الناتجة عن المواقف الضاغطة للإنسان، ولجوئه إلى الخبرات السابقة للآخرين، والتعامل معها بثقة مطلقة مع الشعور بالضعف أمام المشكلة، تدفع بعض الناس إلى الارتماء في أحضان المشعوذين والدجالين.

جلب المنفعة ودفع الضرر

1
عبدالله الكعبي

يشرح المستشار القانوني عبدالله الكعبي، المفهوم الشمولي للدجل والشعوذة بأنه إيهام الجاني لضحيته بقدرته على جلب المنفعة له، أو دفع الضرر عنه، مثل إيهامه بقدرته على شفائه من الأمراض، أو جلب الرزق، أو التوفيق بينه وبين من يحب، أو التنبؤ بما سيحدث له في المستقبل من خير أو شر، وما إلى ذلك، ما يوهم به الدجالون والمشعوذون ضحاياهم، بما يخرج عن قدرة البشر، ويخالف القانون وتعاليم الدين الحنيف، وذلك للحصول منهم على أموال أو منافع ومصالح مادية أخرى مقابل ذلك.

وأكد أن مرسوم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بتعديل قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987، أدرج ولأول مرة عقوبات صريحة لأعمال السحر والشعوذة والتي لم تكن موجودة قبل التعديل الجديد.

وأوضح أن«التعديل الجديد يعاقب في المادة ذاتها بالحبس أو الغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين كل من استعان بساحر أو جلب أو استورد أو حاز أو أحرز موادّ سحر أو روج بأية وسيلة لهذه الأعمال»، وأن « قانون ‏العقوبات الإماراتي - قبل التعديل - لم يكن يحتوي على مادة صريحة تجرم حيازة مواد السحر والشعوذة ولكن

كان استخدام هذه المواد يندرج ‏في إطار جرائم الاحتيال والاستيلاء على أموال الغير».

وبيّن الكعبي أن « المحكمة تأمر في حكمها بمصادرة المواد المضبوطة في السحر والشعوذة وتقضي بإبعاد المدان المستخدم لهذه المواد عن الدولة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"