عادي
الحساب ضرورة.. ولا أحد فوق القانون

مشاهير «التواصل الاجتماعي».. تجاوزات لا تغتفر

00:54 صباحا
قراءة 8 دقائق

تحقيق: جيهان شعيب
لا أحد فوق القانون.. مبدأ عام لا يمكن التفاوض عليه، أو الجدال حوله، فالجميع في ميزان العدالة سواء، فمن يخطئ يحاسب، ومن يتجاوز يُسأل، ومن يتلاعب يُجازى، والفيصل هنا المنصة القضائية، حيث لا مجال للتفويت، أو التجاوز، والمسامحة قد تكون ممكنة إذا كان الخطأ بسيطاً.. هذه هي القاعدة.. لكنّ هناك أناساً منحوا أنفسهم ألقاباً مختلفة، توحدت تحت مسمى «مشاهير التواصل الاجتماعي»، بعضهم يتخطى الأصول بأقوال غير مقبولة، وتصرفات غريبة ومستفزة، وإعلانات تسويقية لمنتجات لا تستحق مجرد النظر، وأمعنوا في ترويج تفاهات، وأكاذيب، مع المبالغة في تجميل ما يعرضونه، وادعاء المصداقية غير الحقيقية.

هدف «مشاهير التواصل الاجتماعي» جمع أكبر عدد من المتابعين، لتحقيق القدر الأكبر من المكاسب المادية، والوصول للثراء السريع- الذي تحقق لغالبيتهم بالفعل - فيما لايزال هؤلاء في غيّهم وتلاعبهم سائرون، حيث لا سقف يقنن تصرفاتهم، ولا حدود لأفعالهم، أو قواعد سلوكية يلتزمون بها في ما يسوقون له من أفكار أو منتجات وسلع، أو خدمات مختلفة، أو يستعرضونه ويكشفونه من مفردات داخلية في حياتهم الشخصية المفترض حفظ خصوصيتها، وغير ذلك مما يقومون به في هذا الصدد أو ذاك، من طرحهم المشوّه، والمزيف، والمسيء لصور حياتية مختلفة.

1

وكما قلنا بدءاً بأنه – لا أحد فوق القانون- فمن هؤلاء من قاده خروجه عن السياق بصورة فجة إلى مساءلته قانونياً، فتقييد حريته، بسنوات وراء القضبان، ورغم ذلك فصغير فعل أي من هؤلاء ككبيره، لدوره في تضليل أفراد المجتمع، وإشاعة البلبلة، ونشر الشائعات، لذا فالأمر يستوجب تعميم المساءلة، لكل من يتخطى سياق الآداب، والأعراف، والأصول، أو حتى يذهب للمغالاة، والمبالغة، في أي مما يقوم به على وسيلة التواصل هذه أو تلك، لاسيما ومن المتابعين صغار في السن يميلون للتقليد والمحاكاة، وكبار قد ينخدعون بظواهر الأمور، ويصدقون أقوال هؤلاء، وربما عن حسن نية، ينشرونها، فضلاً عن فئة أخرى من البسطاء تعليمياً وفكرياً، الذين قد يعملون على إعادة ترويج ما شاهدوه، دونما تفكر، أو تدبر، بالتوثق من فائدته، وجدواه، وصحته.

مخالفات بالجملة

مخالفات مشاهير التواصل الاجتماعي متعددة، والقول هنا لا يشمل الجميع، بل البعض، وإن كانت القلة أحياناً قد تسيء للكثرة، لذا لابد من وضع معايير محددة لكل من وصف نفسه بأنه من مشاهير التواصل الاجتماعي، وجال وصال زاعماً أفعالاً، وغيرها، حتى يمكن السيطرة على المتجاوزين منهم، مهما كان حجم التجاوز، خاصة وقد أصبح الفضاء المفتوح ساحة متسعة لهم، يرتكبون في جوانبه ما يعنّ لهم، دونما قيد وضعوه لأنفسهم أو شرط.

1

وفي البداية لا ننسى قيام عارض أزياء يقدم نفسه كمواطن إماراتي وهو بالأصل مقيم ويحظى بشهرة واسعة على «انستجرام»، بتدخين سيجارة حشيش في بث مباشر عبر أحد حساباته على «مواقع التواصل»، معتقداً أن شهرته ستشفع لسلوكه الخطير، ولكن صدر حكم بإبعاده عن الدولة.

هذا الشخص اعتقد أنه مشهور ولن يطاله الجزاء، فذهب إلى التباهي والتفاخر بسلوك مُدمر ومُجرم وهو تعاطي الحشيش، دون أدنى شعور بالمسؤولية أو احترام القوانين، ولكن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في شرطة دبي كانت له بالمرصاد لحماية المجتمع وتم إبعاده عن البلاد.

وفي ذلك نذهب للتذكير ببعض الأفعال المرفوضة من هؤلاء، والمخالفات التي ارتكبها بعضهم من هنا وهناك، وأدت لتصدي الجهات المعنية لهم، فهذا نجم «سناب شات» أثار الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انتشار مقطع فيديو له، يسخر فيه من لهجة إحدى الدول العربية الجارة لهم، ما دفع العديد من المغردين للمطالبة بالقبض عليه، حيث اعتقلته السلطات في بلاده بتهمة «بث الفتنة الأهلية بين الدول الشقيقة».

وهنا واقعة أخرى لمقطع فيديو تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، لشخصين يشربان مواد معقمة غير صالحة للاستهلاك الآدمي للتضليل بأنها تقي من فيروس كورونا، وأظهرت النيابة أن العقوبة هي السجن 5 سنوات، وغرامة مالية تصل إلى ثلاثة ملايين ريال، فيما علق أحد المسؤولين بأن المتهمين لم يفكرا في إمكانية تقليدهما من أطفال، بما قد يودي بحياتهم للموت، عدا ذلك كانت الجهات الأمنية السعودية قد قبضت على شخص آخر يحظى بمتابعات عالية، بعد تداول مقطع فيديو له يهدد فيه المواطنين بمخالفات منع التجول خلال أزمة كورونا، بعبارة غريبة احتوت على جملة «طاطا بطاطا»! علاوة على شن السعودية حملة شرسة ضد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، لخرقهم حظر التجوال لالتقاط الصور والفيديو، ومخالطة المصابين، وفي ذلك دشن السعوديون «هاشتاجات» مناهضة للمشاهير منها «مشاهير الفلس»، و«مشاهير الحثالة».

عمليات مشبوهة

وكانت إحدى مشاهير التواصل الاجتماعي في الكويت كشفت تفاصيل صادمة عما تعرضت له من زوجها، وأدى لإصابتها بمرض جنسي، قائلة عبر حسابها على انستجرام: أنا هنا الآن لأشرح كل شيء من دون فيلتر، وأتوجه تحديداً إلى المتابعين من الشرق الأوسط والذين ما زالوا يتبعون التقاليد الأكثر سوءًا وأريد أن يفهموني.

ومن مصر هذه واقعة لزوجين من مشاهير التواصل، قاما بعمل مقلب في طفلتهما، حيث طلت الزوجة وجهها باللون الأسود، واقتربت من طفلتها النائمة، التي أصابها الفزع حين استيقاظها، مما أبكاها بشدة، وسط ضحك الأم، فيما قوبل فعل الزوجة بانتقادات كثيرة، على رأسها استغلالها وزوجها، الرضيعة، لتحقيق العديد من المشاهدات عبر موقع يوتيوب لكسب المال، ووصل الأمر إلى حد تقديم بلاغ فيهما إلى النائب العام، وإن لم يكن ذلك فعلهما السيئ الوحيد.

ترخيص ملزم

وعن خطورة مخالفات مواقع التواصل، تحدث المستشار القانوني د. يوسف الشريف مؤكداً أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت وسيلة البعض لتحقيق الشهرة، والدعاية والإعلان سواء لأنفسهم، أو لغيرهم اعتماداً على ثقة الناس ومتابعيهم، لاسيما مع اتساع استخدام الإنترنت، قائلاً: كثير من الأشخاص استغلوا هذه الوسائل لتكون أداة للانتشار، ومصدراً للربح، وقد تثار بعض التساؤلات في هذا النطاق، وتدور حول مدى مسؤولية المشاهير عما قد يبدر منهم من تجاوزات عبر السوشيال ميديا، وآلية ضبطها، فالتجاوزات التي قد يرتكبها المشاهير تتمثل في المبالغة في مظهرهم عند الخروج على أفراد الجمهور.

ولكن ما ذاع وانتشر في مجال مشاهير التواصل هو المبالغة في الدعاية، والإعلان لمصلحة منتجات بعينها، أو خدمات لصالح شركات، أو مؤسسات وغير ذلك، وتعتمد الدعاية هنا على شهرة الشخصية، بغض النظر عن جودة المنتج، وفي مثل هذه الأفعال غش وتدليس مؤثم، ومعاقب عليه قانوناً، لدورها في إيقاع الغير ضحية لهذا المنتج أو هذه السلعة، بفعل الرسائل الخادعة التي بثها المشهور وأوقعت هذا أو ذاك في كمين هذا المنتج، وفي مثل تلك الحالات، تقع المسؤولية على كل من المسوق (المنتج أو مقدم الخدمة)، وعلى المشاهير الذين يقدمون الدعاية استغلالاً لشهرتهم متى شاركوا في الفعل.

معايير وضوابط

ونصل لمشاهير التواصل، ونسألهم بماذا يبررون تجاوزات البعض، وما الحل في رأيهم، والمعايير الواجبة في هذا الصدد؟

تقول نعيمة الزعابي: لمشاهير وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام‏ إيجابيات وسلبيات، ‏منها تسهيلهم على أفراد المجتمع أمور كثيرة، كتعريفهم بعروض الفنادق، والأسواق، والمعارض، واطلاعهم على الأخبار المختلفة، وغيرها، علاوة على أنه أضحى بإمكان الجميع حالياً، وفي وقت واحد، متابعة ما يبثه مشاهير التواصل من عروض، واختيار المناسب منها، إلا أن هناك بعض المشاهير الذين يقومون بالإعلان عن أي شيء مهما كان ضرره مقابل المال فقط، دون أدنى مسؤولية.

1

وأضافت الزعابي من جانب ثانٍ، فمن سلبيات بعض مشاهير التواصل الاجتماعي استخدام ألفاظ بذيئة، والسب والقذف، دونما رقابة، بعدما أصبحت الوسائل الاجتماعية متاحة لكل من «هبّ ودبّ» للظهور، والتحدث، حيث ‏يمكن لأي كان أن يصبح مشهوراً في لحظة، لمجرد كلام «تافه» قد يتحدث به.

مرض الثراء

يرى أحمد سبيل بداية أنه ليس كل شخص يمتلك هاتفاً نقالاً به كاميرا، يستطيع أن يتحدث عن أي موضوع، في أي مجال، دون أن يمتلك الإلمام الكافي، والمعلومات الوافية، حيث مكمن الخطورة – كما يقول- يتركز في أن أبناء الجيل الحالي يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي، في تلقي المعلومات أكثر من الوسائل التقليدية الأخرى، مثل التلفزيون، والمذياع، والصحف، التي لا يستطيع أي شخص الظهور من خلالها إلا إن كان مؤهلاً، لذا فالشخص المشهور يمكن أن يصبح قدوة حسنة، بما يقدمه من محتوى، ومواضيع، وتغطيات ورسائل هادفة.

أضاف: تفشى في الآونة الأخيرة مرض الثراء السريع لدى بعض مشاهير التواصل، فتسابقوا في التباهي بعدد المتابعين، والمشاهدات التي يحصلون عليها، بما جعلهم بمنزلة جسور عبور لأهداف غير مشروعة، أبرزها غسل الأموال، والاحتيال، وبيع الأوهام لفئات معينة في المجتمع، بما يستوجب رفع مستوى الوعي العام لتجنب الوقوع في الأفخاخ المنصوبة لهم من البعض.

كما يجب تحديد معايير وضوابط لكل مشهور، حتى يرتقي للقيام بدور مجتمعي فعال ومؤثر، بما يتناسب مع رؤية ورسالة الحكومة الرشيدة، بما فيها أهم المعايير وضوابط التأهيل والتدريب، من خلال عقد دورات، وورش تدريبية، بالإضافة إلى فرض تصاريح مزاولة نشاط إعلامي، وفق آلية محددة الشروط، يمنع منها المشهور الذي لا يستوفيها.

أما بالنسبة لي شخصياً فأنا يهمني الكيف وليس الكمّ في إيصال محتواي الإعلامي، لأن تقدير الأشياء بالكيف منزلة، يصل إليها العقل بعد نضجه، وبالتالي عندما تصل رسالتي لفئة ناضجة، تستمر في الانتشار الصحيح، بسبب إدراك قيمتها الحقيقية.

قدوة حسنة

1

وبحسب منى تجاربي، فإن «السوشيال ميديا» بحر، والشاطر من يستطيع أن يسبح فيه، مع المحافظة على العادات، والتقاليد والأخلاقيات، والبيئة المجتمعية، بينما الأمر الأساسي الواجب، هو تمتع المشهور بالمصداقية والأخلاق، والبساطة، حيث يجب أن يكون على طبيعته دونما تصنّع! لاسيما والناس أضحت واعية، وتعرف المتصنّع من الحقيقي، وأيضاً لابد أن يكون المشهور شفافاً، حتى يكسب ثقة المتابعين بطريقة سليمة، وأنا شخصياً أحب متابعين، حتى وإن كان عددهم قليلاً، إذ يكفيني أنى حقيقية، وهم كذلك، فيما أعتقد أن السبب في تحقيق البعض الشهرة رغم عدم فائدة ما يعرضونه، يعود لمتابعين يقبلون على ما هو غير مفيد، مع توقعي بأن جائحة كورونا كشفت حقيقة كل مشهور من واقع تعامله معها، لذا فالمفترض على المتابعين اختيار الصحيح.

1

أما أحلام الجابري فأكدت أن الأخلاقيات الحسنة من أهم المعايير الواجب تقيد كل مشهور بها، لأنه يمثل بلده قبل كل شيء، وإنها تحترم جميع فئات المتابعين، وقالت: تتركز سلبيات السوشيال ميديا بالنسبة لي في شعوري بانتهاكها خصوصيتي، حيث صرت محاسبة على جميع كلماتي، وتصرفاتي، أما بالنسبة للمتجاوزين، فلابد من معاقبتهم، وجعلهم عبرة لأن مجال التواصل الاجتماعي مؤثر، ويجب أن نكون جميعاً قدوة حسنة.

نشر القيم

قال الإعلامي إسلام الشيوي: دخول التقنيات الحديثة، وتوظيف أجهزة الهواتف النقالة في تبادل الأخبار، وصناعة المحتوى الإعلامي، إحدى وسائل تطور الإعلام المعاصر بشكل سريع، والذي أدى إلى تشكيل نظريات جديدة، تواكبت مع طفرة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وسرعة انتشارها بين أطياف أفراد الجمهور، وزيادة المتابعين بشكل كبير، وتخطيها حاجز الحدود الجغرافية، أو البث الفضائي، وبشكل تلقائي ظهرت وجوه إعلامية في سياق نظرية إعلام التواصل الاجتماعي، ضمن امتداد ما يسمى بالإعلام الحديث أو إعلام الفرد.

وفي سياق هذا الإعلام الجديد حظيت وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، وإنستجرام، وسناب شات، بشعبية عالية بين مواطني الدول كافة بما فيها الإمارات، واستخدمت تلك الوسائل على نطاق واسع، سواء من قبل الأفراد، أو من قبل الجهات الحكومية، والمؤسسات الرسمية، وصارت بوابة أيضاً لانطلاق منصات، وقنوات، وبرامج عديدة ومختلفة، وطوعت في ذات السياق أيضاً في جميع أشكال التسويق، والإعلان، لتقدم العديد من الوظائف الإعلامية، ووظائف العلاقات العامة بصورها وأشكالها كافة، وبرز في ضوء ذلك دور جديد له أهميته، وخصوصيته، وجماهيريته، يقوم عليه هواة، ومحترفون، جرى تسميتهم برواد أو مشاهير التواصل الاجتماعي، وذاع صيت العشرات منهم محلياً، وخليجياً، وعربياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"