“الحلاة” أرض المزارع الخضراء والبساتين الغناء

تبعد 50 كيلومتراً شمال الفجيرة
12:39 مساء
قراءة 5 دقائق

على مسافة 50 كيلومتراً تقريباً الى الشمال من الفجيرة الى الداخل بحوالي الكيلومتر من شارع دبا - مسافي، تقع قرية الحلاة وسط سلسلة من الجبال الشاهقة الارتفاعات، تزينها المزارع المزدانة بالجمال والهدوء، وكأنها لوحة فنية.

وتشتهر القرية التي يعود سبب تسميتها بهذا الاسم نظراً لحلاوة وعذوبة مائها، وطيب مذاق ثمارها، بوجود عدد كبير من المنازل الأثرية القديمة التي سكنها الأولون من قبائل اليمامحة والعبادلة والصرايدة والزيودي، حيث لاتزال محتفظة بين جدارنها بروائح وعبق الماضي الجميل.

اعتمد سكان هذه المنطقة قديماً وبشكل أساسي لضمان استمرار وتيرة الحياة، على زراعة محاصيل الحب والخضراوات والفواكه وتربية الهوش والبوش، وجمع العسل من الكهوف الجبلية، التي تغص بها ربوع القرية.

الخليج زارت المنطقة والتقت الأهالي، ورصدت الموضوع التالي.

في حوالي الرابعة عصراً انطلقنا صوب قرية الحلاة وما ان وصلنا الى مدخل القرية، حتى استقبلتنا مجموعة من الشباب بحفاوة وطيب استقبال، واصطحبنا اثنان منهم الى بعض منازل شواب القرية، وكانت محطتنا الأولى منزل الشيبة علي محمد غاصب اليماحي، الذي رحب بقدومنا وأصر قبل الحديث معنا على اصطحابنا ونجله عبدالله في جولة داخل ربوع قرية الحلاة القديمة، التي تبعد قرابة 1،5 كيلومتر تقريباً عن شعبية الحلاة الجديدة، حيث قمنا بتوثيق المنازل الأثرية والمزارع الخضراء بالكاميرا، وحدثنا عن أوضاع القرية قديماً فقال: عشنا حياة بسيطة وسهلة في الزمان الاولي. وكذلك من قبلنا الآباء والاجداد والذين تشربنا منهم بشيم الرجال وقدسية العمل وأهميته من أجل استمرار الحياة، وضرورة التواصل الاجتماعي والمحافظة على العادات والتقاليد، ونقلها كما هي دونما تشويه للأجيال القادمة، حتى يشبوا متماسكين ومترابطين فيما بينهم.

واسترسل قائلاً: اعتمدنا في حياتنا الاولية على زراعة العديد من المحاصيل الزراعية، كالحب والذرة والشعير، ومن الخضراوات والفواكه كالهامبا والبطاطا والطماطم والبصل والليمون، حيث كانت اراضي منطقتنا وايد خصبة، وامطار الخير والبركة تزفها على فترات طويلة من العام، وهذا ما ساعد الكثير من الأهالي على امتهان حرفة الزراعة علاوة على جمع العسل من الكهوف الجبلية وتربية الهوش والبوش، وبيع هذه الخيرات داخل اسواق دبي أو الشارقة أو رأس الخيمة.

ويشير الى أن الرحلة المسيرة الى مدينة دبي أو الشارقة كانت تستغرق ثمانية أيام في حين كانت تستغرق الرحلة وصولاً الى رأس الخيمة ستة أيام، وكل ذلك عبر طرقات جبلية شديدة الوعورة، بواسطة الحمير والابل. ويلفت ايضاً الى أن القافلة التجارية كان يتم تسييرها من أمام مسجد القرية عقب صلاة الفجر مباشرة، حيث يخرج الأهالي في مجموعة واحدة مدججين بأسلحتهم الشخصية تحسباً من تعرضهم لهجوم من قبل لصوص الطرق، مؤكداً أن مواجهات دامية كانت تحدث بينهم وبين هؤلاء اللصوص، تسفر عن وقوع قتلى وجرحى من الطرفين.

توجهنا بعد ذلك الى منزل الشيبة محمد علي أحمد الزيودي، وهناك التقينا مجموعة من الشواب بمجلسه وحدثنا بداية، فقال: عانينا كثيراً من ظروف الحياة الصعبة قديماً، ومعيشتنا ارتكزت بشكل أساسي على الزراعة وتربية الماشية وجمع الحطب والعسل. وترويج هذه الأشياء داخل أسواق دبي والشارقة، أما بخصوص منازلنا فسكنا بالمهاب الصغيرة المبنية من الحجر والطين والعسبق وجريد النخل وسعفه وهي عبارة عن حفرة يصل عمقها إلى نحو المتر ونصف المتر، من سطح الأرض بهدف حمايتنا من الفهود والذئاب المتوحشة التي كانت تعج بها جبال القرية.

لافتاً إلى أن الأهالي وعند حلول الظلام كان يتأهب كل واحد منهم لاغلاق المهاب الخاص به باحكام تخوفاً من تعرضه وأفراد اسرته لمخاطر هذه الحيوانات المفترسة.

وأضاف قائلا: انتقلنا خلال فترة السبعينات من المهاب الواقعة أسفل الجبال إلى الشعبية الجديدة التي شيدها لنا المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ولا أستطيع حقيقة أن أصف مدى فرحة الأهالي وقتها بهذه المنازل حيث عمت أجواء السعادة أرجاء المنطقة ابتهاجا بهذه المكرمة السخية، وحول تسمية الحلاة بهذا الاسم قال: منذ أن وعينا على هذه الحياة والاسم يتداول بين جموع الأهالي والسبب في تسمية القرية بهذا الاسم كما أخبرنا الآباء والأجداد هو حلاوة وعذوبة مائها قديماً وطيب مذاق جميع ثمارها دونما استثناء ومن ثم صار هذا الاسم مرتبطاً بالقرية حتى وقتنا الحالي.

ويلتقط الشيبة علي محمد أحمد أطراف الحديث، وقال: الحلاة اشتهرت منذ زمن بعيد بمزارعها وبساتينها الغناء.

فضلا عن كثرة مياه الأمطار فيها الأمر الذي جعلها خلال فترة زمنية واحة خضراء وعامرة بشتى صنوف المزروعات.

ويشير إلى أن جبال القرية تعج بمئات الكهوف الجبلية التي ورثها أبناء المنطقة عن آبائهم وأجدادهم ولاتزال موجودة حتى الآن حيث تشكل مورداً مهماً لدخول الكثيرين من الأهالي.

ويؤكد محمد سعيد محمد متانة الروابط الاجتماعية التي تجمع بين سكان الحلاة بالرغم من وجود أربعة قبائل بالمنطقة، هي اليمامحة والصرايدة والعبادلة والزيودي، فالجميع مترابطون في السراء والضراء، وأوضح: السبب الرئيسي في متانة هذه الروابط واستمرارها بين الأجيال المتعاقبة حتى وقتنا الحالي صلات النسب التي غرس نبتها الآباء والاجداد قديماً.

بدوره علق راشد محمود راشد قائلاً: أهالي منطقة الحلاة وكغيرهم من باقي المناطق المجاورة اشتهروا وبرعوا في مهنة القنص، حيث كان رب الأسرة يحرص على اصطحاب أبنائه معه خلال رحلاته داخل الجبال لاصطياد الظباء والفهود والنمور.

ويحدثنا عبدالله علي الشاعر عن مظاهر الاحتفال قديماً فقال كنا خلال الأعياد نجتمع لنؤدي الصلاة سوياً بالسيح وعقب الانتهاء منها يتزاور الأهالي فيما بينهم ويتبادلون التهاني ويتم نحر الذبائح واقامة الولائم طيلة أيام العيد، ويشير الى أن الأعراس كانت تتم بأقل اليسير ودونما أدنى تكلف على عكس ما هو حادث الآن من غلاء بالمهور.

وخلال لقاءات مع شباب القرية قال خميس عبدالله علي: لا شك أن ظروف الحياة في السابق كانت بالغة الصعوبة لجميع الأهالي، وحقيقة كشباب ننتمي لأرض هذه القرية ندين للآباء والأجداد بما غرسوه في نفوسنا من مبادئ وقيم وعادات وتقاليد مكنتنا من السير على درب الحياة القويم.

وأضاف سعيد علي محمد: لم ندرك الحياة قديماً بالحلاة لكن منازلهم الأثرية التي مضى على انشائها ما يزيد على 100 عام، كفيلة بنقل صورة واقعية عن طبيعة وانماط المعيشة خلال تلك الفترة، واشار الى كم وكيف التحول الهائل الذي طرأ على القرية، عقب قيام الاتحاد المبارك.

من ناحيته اشاد عبدالله علي غاصب اليماحي بجهود الحكومة التي بذلتها لتمكين القرية من السير في ركاب التحضر والتمدن، الذي تنعم به البلاد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"