درس الخان الأحمر

04:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

في أوائل الشهر الجاري، شرعت سلطات الاحتلال «الإسرائيلي»، بحشد الآليات العسكرية لحصار تجمع الخان الأحمر جنوب شرق مدينة القدس، تمهيداً لهدمه، في إطار سياستها الاستيطانية، الهادفة إلى مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتمهيداً لسياسة «ترانسفير» تعدها هذه السلطات للآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، لصالح المشروع الاستيطاني «الإسرائيلي».
كما سلمت قوات الاحتلال سكان التجمع أوامر بإغلاق طرق داخلية فيه، في حين تداعى أهل المنطقة إلى التجمع للوقوف في وجه آليات الاحتلال لمنع هدم التجمع.
وكما هو معلوم تقع منطقة الخان الأحمر، وهي منطقة بدوية، على الطريق السريع 1 قرب مستوطنتي معاليه أدوميم وكفار أدوميم،
والخان كان عبارة عن بناء عثماني من القرن السادس عشرة، وقد كان مزاراً للتجار على هذا الطريق القديم الذي يربط ضفتي نهر الأردن، حيث كانوا يتوقفون للاستراحة فيه وإطعام الخيول، أي أن تاريخه يعود إلى زمن قديم وقبل ولادة المشروع «الإسرائيلي» نفسه.
وكما هي الحال في كل مرة، تتعرض فيها الأراضي الفلسطينية للاعتداء «الإسرائيلي»، يقف سكان منطقة الخان الأحمر، وقفة بطولية في وجه قرار سلطات الاحتلال «الإسرائيلي»، مقدمين درساً جديداً في مقاومتهم الوطنية الشعبية للاحتلال ومخططاته.
ولاقت الاحتجاجات الشعبية الفلسطينية تأييد الكثير من القوى، حيث نجح محامو هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في الحصول على أمر احترازي من المحكمة العليا «الإسرائيلية» بوقف هدم تجمع «الخان الأحمر» شرق القدس حتى إشعار آخر.
وجاء ذلك في وقت لاقت فيه الاعتداءات «الإسرائيلية» الجديدة هجوماً لاذعاً محلياً وإقليمياً ودولياً، حتى أن سفراء دول أوروبية فاعلة هددوا بردّة فعل «عنيفة» ضد حكومة الاحتلال من جراء ما حدث من اعتداءات لجنود الاحتلال في «الخان».
ومع أن قرار المحكمة «الإسرائيلية» العليا الذي جاء نتيجة الضغط الشعبي والدولي، بوقف هدم المنازل في الخان الأحمر، ليس قراراً نهائياً، وأنه لا يعدو كونه تأجيلاً لقرار «إسرائيلي» معد ومتخذ، إلا أن مجرد رضوخ سلطات الاحتلال وقبولها بوقف عملية الهدم، يعد مكسباً شعبياً فلسطينياً، وانتصاراً جزئياً، في إطار الصراع الواسع والشامل مع الاحتلال، خاصة أن نضالات الشعوب من أجل نيل حرياتها هي عملية تراكمية، تحتاج إلى نضج الظروف الذاتية والموضوعية، للوصول إلى أهدافها.
وما جرى في الخان الأحمر إن دل على شيء فإنما يدل على تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه التاريخية في أرضه، واستعداده للدفاع عنها، بكل ما يملك من إمكانيات على تواضعها، وأن المقاومة الفلسطينية للاحتلال تسير في مسارها الصحيح، رغم ما يحيط بالقضية الفلسطينية، من أزمات بسبب تردي الوضع العربي، وانعكاسات ذلك على القضية الفلسطينية.
حيث يرى الكثير من المحللين السياسيين، أن مخطط هدم الخان الأحمر سيكون الأول، لإحكام السيطرة على القدس، تحت ذريعة البناء من دون ترخيص، واستكمال توسع المستوطنات، ولإغلاق التواصل بين القدس وبين الأراضي الفلسطينية، ما يعني أن «إسرائيل» لا تريد فقط الخان الأحمر، بل هي ماضية في خطة توسعية لضم مناطق «سي»، بهدف شطب فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وتنفيذ ما يشاع حول ما يسمى، بصفقة القرن، التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
ولعل ما يمكن استخلاصه من درس الخان الأحمر، هو أن التصميم والإرادة الشعبية على مقاومة الاحتلال، لا بد أن يسهما في عرقلة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، وزعزعة الاحتلال، ومنعه من مواصلة عمليات «الترانسفير» التي يقوم بها، بين حين وآخر، تحت هذه الذريعة أو تلك، وأن الشعب الفلسطيني، رغم ما يعتريه من ظروف قاسية، قادر على ابتداع وسائل نضالية دائمة ومتجددة، وأهم وأقوى هذه الوسائل هو مواجهة قوات الاحتلال بالصدور العارية، والاحتجاجات الشعبية، التي تفضح عنصرية الاحتلال، وتعريه أمام الرأي العام العالمي، وهو ما من شأنه أن يُكسب القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني المشروع المزيد من التأييد من قبل أحرار العالم، الرافضين لسياسة «إسرائيل» العنصرية، والداعمين لحق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"