مناسبة ... دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008 تصل الشرق بالغرب وصولاً إلى غرناطة

أول مدينة مأهولة بالإنسان ومهد الحضارات
00:53 صباحا
قراءة 18 دقيقة
مثلت دمشق على مر العصور ملتقى للثقافات والحضارات، وبوتقة لتمازج مبدع وخلاق فيما بينها، وقبلة للتسامح بين أتباع الديانات السماوية، استمد منها ياسمينها عبقه، واكتنزتها الوردة الشامية في أوراقها، وحفظته مكتباتها ومتاحفها الوطنية، ونقوش حجارتها السوداء والبيضاء، شاهداً على إبداع عربي وإسلامي أثرى الحضارة والثقافة الإنسانية، وروح المحبة والتآخي والسلام بين الشعوب جمعاء.دمشق القديمة، شواهد تاريخية حية، أسوار عالية.. الغزاة مروا من هنا وبقيت دمشق.. أزقة حارات ضيقة تحنو عليها شبابيك بيوت ظلت على مر العصور تحفة العمارة العربية الإسلامية، وتنضح أسواقها وخاناتها وحماماتها بالحياة، تتجاور مآذنها العالية مع أجراس الكنائس يحنو صوت أذانها على رنين أجراسها.. تتداخل المدارس والمكتبات مع دور العبادة.. تطبع بخصوصيتها كل القادمين إليها، وتبقى في نواجذ كل من مروا بها.دمشق يوسف كركوتي:من هنا تأخذ الاحتفالية في هذه الدورة بُعداً جديداً يضاف اليها، ولذلك فإنه قبل الخوض في تفاصيل العروض والفعاليات المرافقة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية لا بد من التأكيد على مسألة غاية في الأهمية وهي أن انتقال عاصمة الثقافة من عاصمة عربية إلى أخرى بات أمراً ملفتاً بعد سنوات من الصمت كانت الأمور تجري فيها من دون تفاعل كبير مع هذا الحدث المهم. في العام الماضي، كان لدى الجزائر كعاصمة ثقافية عربية برنامج حافل، وأجندة ممتلئة بالأنشطة بينها توسيع مؤتمرها السنوي المسمى الفنك الذهبي والمتخصص في شؤون الدراما التلفزيونية العربية، وإطلاق أول مهرجان سينمائي دولي للأفلام الروائية الطويلة في مدينة عنابة في يوليو/تموز إلى جانب إعادة ترميم المسارح ودور العرض السينمائي القديمة في العاصمة وغيرها من المدن، وافتتاح عشرات الاحتفالات الثقافية المختلفة في كل مدن الجزائر ومحافظاتها وشارك العرب في الاحتفالية الجزائرية بتقديم أسبوع ثقافي لكل دولة.أما وقد سلمت الجزائر الراية لدمشق فالاحتفال بالمناسبة لهذا العام يأخذ أبعاداً مختلفة، فهو عوضاً عن قدوم فيروز، يتيح مساحات لعروض مسرحية عالمية وعربية، وأيضاً عروض موسيقية عربية وحديثة، ويوم واحد لكل بلد عربي بدلاً من أسبوع، مع إقامة مؤتمر بعنوان المدينة والثقافة يحضره كتاب ومثقفون بحيث تنفتح دمشق وناسها على الثقافة العالمية بدلاً من الاكتفاء بالثقافة العربية.ولعل أهم ما تتضمنه احتفالات دمشق أيضاً هو اختبار العلاقة بين الثقافة والناس، ومحاولة تقريب الثقافة من الشارع وهي فكرة تحقق هدفين هما التغلب على أزمة المسارح ودور العرض في المدينة، والثانية السعي إلى الناس في أماكن تجمعاتهم الطبيعية، المدارس والحدائق والشوارع لإخراجهم من حال إلى حال، وفرض مفهوم جديد للثقافة كونها عمل شعبي مرتبط بالحياة وليست أمراً يخص المثقفين ذوي الياقات في أماكنهم المغلقة.ونطل في هذه النافذة على أهم ما سيتضمن برنامج الاحتفالية حسب ما أعلنت عنه أمانتها العامة.إذ يشكل قدوم الفنانة اللبنانية فيروز حدثاً بارزاً على صعيد فعاليات وبرنامج الاحتفالية، فالعالم العربي على موعد مع فيروز من دمشق اعتباراً من 28 يناير/كانون الثاني الجاري وذلك على مدى برنامج الاحتفالية في الأشهر الثلاثة القادمة من خلال تقديم العرض المتميز لمسرحية صح النوم التي ستعرض على مسرح دار الأوبرا السورية ست مرات.وكانت مسرحية صح النوم وهي مسرحية غنائية للأخوين الرحباني قد عرضت للمرة الأولى عام 1970 حيث جسدت الفنانة فيروز شخصية قرنفل التي تمثل العنصر الصالح البسيط الذي يحارب الظلم كمعظم أدوارها في المسرح الرحباني، كما يؤدي الفنان أنطوان كرباج دور الوالي ويأتي الفنان ايلي شويرى بدلاً من الراحل نصري شمس الدين ليؤدي دور زيدون مستشار الوالي أما الإخراج فهو لبيرج فازليان. وتتضمن المسرحية نقدا في قالب طريف وموسيقا يسلط الضوء على مجموعة من القضايا في المجتمع.وستشهد دمشق إطلالة على نخبة من أفضل العروض العربية والعالمية فبالإضافة إلى عروض المسرح السوري التي قامت بانتقائها لجنة من المختصين في المسرح، وبالإضافة وإلى عروض الشباب الحاصلين على منح إنتاجية من الأمانة العامة، سيكون للمسرح العربي والعالمي حصة كبيرة من خلال حضور أهم الأسماء المعروفة على الصعيد العالمي. وستتنوع أشكال عروض المسرح ما بين المسرح الموسيقي والشعري إلى المسرح البصري إلى مسرح الوسائط المتعددة كاستخدام الفيديو وفنون التجهيز البصري. وإلى جانب ورشات العمل، فإن القراءات المسرحية التي ستقدم في إطار نادي القراءة تسعى إلى إعادة الاعتبار للنص المسرحي المكتوب وإلى دعم الكتّاب والممثلين الشباب والتعريف بهم ضمن علاقة تفاعلية مباشرة مع جمهورهم. وللأطفال نصيبهم من النشاط المسرحي حيث تسعى الأمانة لدعم مشروع المسرح التفاعلي مع الأطفال.كما سيتم تنظيم مجموعة من المعارض عالية المستوى ببرنامج يغطي جميع المجالات (الفنون التشكيلية والبصرية والصناعات الحرفية والعلوم والآثار) بغية التأثير والتواصل مع جميع شرائح الجمهور. باكورة هذه المعارض معرض استعدادي سيقام في المتحف الوطني ويعرض للأعمال التشكيلية السورية منذ عام 1899 حتى يومنا هذا. ستكون هناك أيضاً معارض للفنانين السوريين المعاصرين في متحف دمر الذي عملت الأمانة على تسريع تجهيزه ليفتتح في عام ،2008 ومعارض للشباب ضمن تظاهرة فنانون في المدينة يشارك فيها تشكيليون شباب يقدمون أعمالهم ضمن أمكنة محددة في المدينة. سيتم تنظيم هذه المعارض بالاشتراك مع المؤسسات العامة والخاصة والوطنية (صالات العرض الخاصة والعامة والمتاحف)، والإقليمية والعالمية والمؤسسات الثقافية في الخارج كمعهد العالم العربي في باريس، ومؤسسة أوبنهايم في برلين. إلى جانب معارض حول فن الخط العربي والفنون التطبيقية والصناعات اليدوية السورية، وتظاهرات في علم الآثار.وستقيم الأمانة العامة أسابيع سينمائية تحت عنوان بيت السينما تتوالى على مدار العام وتكون فرصة لتقديم مختارات من روائع الفن السابع، لمخرجين محليين وعرب وعالميين لهم بصمات سينمائية. تتوج هذه الأسابيع بندوات ولقاءات مع مبدعي هذه الأفلام. ومن بين ما تتضمنه أسابيع السينما أسبوع المنح الإنتاجية الشبابية، الذي سيعرض الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة وأفلام الرسوم المتحركة التي أبدعها الشباب الذين حازوا المنح الإنتاجية التي قدمتها الاحتفالية. كما تنطلق ولأول مرة في سوريا، فعاليات مهرجان الأفلام التسجيلية Dox Box، ولا تقتصر أهمية المهرجان بوصفه الأول على مستوى المنطقة، وإنما بكونه يستقطب عدداً كبيراً من صناع هذا النوع من الأفلام من كافة أرجاء العالم. إلى جانب ذلك ستكون هناك تظاهرات أخرى كسينما الهواء الطلق، وورشات عمل للمهتمين بالسينما من الشباب، وعروض لأفلام سورية روائية طويلة مقتبسة عن أعمال أدبية مهمة تناولت مدينة دمشق والتحولات التاريخية البارزة التي مرت بها، وهي من إنتاج المؤسسة العامة للسينما.وستقدم الاحتفالية فعاليات موسيقية استثنائية تعكس غنى الموسيقا العربية والشرقية والعالمية. فعلى مدار العام ستكون هناك حفلات للموسيقيين السوريين، أفراداً وفرقاً، المقيمين منهم في سوريا والذين يعيشون في الخارج. ستكون هناك أسماء معروفة في الموسيقا الشرقية يشكل مجيئها إلى سوريا حدثاً استثنائياً، وستخصص أيام للأغنية العربية وأخرى للموسيقا الشرقية التقليدية والمعاصرة، وستكون للمرأة مشاركتها من خلال فرق العازفات أو حفل مغنيات الأوبرا السوريات بمرافقة الأوركسترا السمفونية الوطنية السورية، كما ستكون هناك أمسيات للموسيقا الروحية تقدم في شهر رمضان المبارك. ولقد ارتأت الأمانة العامة في برمجتها للموسيقا العالمية أن تبرز أنواعاً لم يتح لجزء كبير من عشاق الموسيقا في سوريا فرصة الاستماع إليها كالموسيقا الإفريقية واللاتينية والأندلسية والموسيقا الكلاسيكية وموسيقا عصر الباروك، كما ستكون هناك حفلات تجمع ما بين الموسيقا والتمثيل المسرحي بالإضافة إلى عدة أعمال أوبرالية من سوريا عالية ومتميزة. وضمن الخط الذي وضعته الأمانة العامة في برمجتها والذي يهدف لإعطاء الأولوية للتدريب والتأهيل، ستكون هذه الفعاليات العالمية فرصة ليكتسب الموسيقيون السوريون خبرة عالمية، سواء عن طريق ورشات عمل مع الفرق المستضافة أو بالمشاركة بشكل إفرادي أو جماعي مع قادة الأوركسترا والمغنين المدعوين. ولعل البارز في الفعاليات هو الافتتاح العالمي لاحتفالية دمشق حيث سيقام لأول مرة في تاريخ قصر الحمراء في غرناطة بالأندلس حفل موسيقي بقاعة السفراء وسيضم العازفة السورية وعد بو حسون مقدمة أشعار ولادة وابن زيدون إضافة إلى فرقة موسيقية اسبانية ستقدم أشعار ابن عربي. كما تحتضن دمشق على مدار عام كامل نخبة من المفكرين والمبدعين في اختصاصات متعددة وتشكل المؤتمرات والملتقيات حدثاً ثقافياً مميزاً بفضل طبيعتها القادرة على استقطاب عدد كبير من المفكرين والباحثين والمتخصصين في شتى ميادين المعرفة والثقافة، مما يزيد من الحراك الثقافي خلال الاحتفالية ويمنحها بعداً أكاديمياً توثيقياً. ومن أبرز المؤتمرات المُدرجة في البرنامج مؤتمر المثقف وقضية المصير العربي ومؤتمر حول المدينة والتراث العمراني ومؤتمر حول العلاقة بين المدينة والثقافة ومؤتمر للمختصين بالآثار عن مفهوم المدينة من ماري إلى دمشق. إلى جانب ذلك ستكون هناك ندوات ومحاضرات في مجالات متعددة تلبي رغبات المهتمين.وبهدف تقريب المسافة بين القارئ والكتاب وليكون بمتناول أكبر شريحة ممكنة، ستصدر الأمانة سلاسل مختارة في مختلف حقول الإبداع، على أن تصدر شهرياً بطبعات شعبية وأنيقة وبأسعار رمزية، ما يشكل نواة لمكتبة صغيرة في كل بيت. ويمكن إصدار ثلاثة كتب كل شهر من هذه السلسلة التي تعنى بالإبداع السوري الجديد على نحو خاص. كما تطمح الأمانة إلى توثيق الشعر السوري، عبر أربعة أجزاء من أنطلوجيا تغطي تجارب كل جيل على حدة. إلى جانب ذلك ستخصص الأمانة سلسلة لأعمدة الأدب السوري، الرواد منهم على نحو خاص، بأقلام نقاد متخصصين.كما ستصدر الأمانة سلسلة من المذكرات لشخصيات هامة إلى جانب عدد من الكتب التاريخية التي تعنى بمدينة دمشق وستكون هناك أيضاً ترجمات إلى اللغات الأجنبية لعدد من الروايات تمثل توجهات وأجيال الكتاب الروائيين السوريين. ولن تقتصر الاحتفالات على الأنشطة المحلية بل ستمتد إلى خارج الحدود حيث تقام فعاليات ثقافية سورية في الخارج ومنها معرض اثري يستضيف متحف اللوفر قسما منه نهاية عام ،2008 ومعارض فنية متنوعة.ومن ضمن الفعاليات التي ستقام شهريا خلال الاحتفالية عرض نادي الذاكرة الذي سيستضيف في كل مرة إحدى الشخصيات المعمرة من الذين واكبوا جزءا مهما من تاريخ المدينة، ليتحدث عن الأحداث التي عاصرها، وسيكون ذلك بدوره توثيقا لذاكرة المدينة.وسيقدم متحف دمشق في كل شهر قطعة أثرية من مستودعاته لم تعرض سابقا للجمهور، وسيعمد المنظمون إلى أن يترافق تقديم الآثار مع عرض موسيقي يجذب الشباب بشكل أساسي. وللشباب من الاحتفالية نصيب من خلال الدعم لهم والذي تم رصده في مجال فنون الأداء عن طريق إطلاق مشروع المنح الإنتاجية التي تضمنت تمويل مشاريع لشباب دون سن الخامسة والثلاثين لإنتاج عروض مسرح ورقص معاصر.وعلى هامش هذه الاحتفالية كان لالخليج الثقافي وقفة مع شريحة من المثقفين السوريين الذين تركوا ولايزالون يتركون أثراً إيجابياً ودافعاً ملحوظاً نحو تطور الثقافة العربية.وكانت البداية مع الدكتور صابر فلحوط الكاتب والأديب نائب رئيس اتحاد الصحافيين العرب حيث قال: لا شك في أن هذه المناسبة التي تتكرر سنوياً في عاصمة دولة عربية لا بد أن تنعش الذاكرة الجمعية للأمة وأن تضع أمامها لوحة التاريخ العظيم المشرف لأمتنا في مجال الثقافة والحضارة والفكر والإشعاع وتصدير المعرفة إلى مختلف أنحاء هذا العالم. كما انها لا بد أن تكون حافزاً لنا لعدم الرضا عن الذات من اجل أن ننطلق صوب المستقبل فندرك أن الثقافة هي جوهر الحضارة وهي عنوان التقدم وأن كل شيء يمكن أن يفنى إلا الثقافة الباقية الخالدة التي تجدد الأمة عندما يحيط بها الظلم والقهر والهوان. الحالة الثقافية للأمة العربية وسوريا جزء منها ليست في حالة عافية وصحة وهذا له علاقة مباشرة ومتينة مع الحرية والديمقراطية ومع الضغط والحصار الأجنبي الامبريالي والاحتلال الصهيوني في فلسطين. هذا الأمر الذي يفرض على القادة مبررات يجدون فيها أننا ونحن في حالة حصار لا نستطيع أن نوجه موازنات الدولة من أجل الشعر والقصة والرواية والرسم والمسرح إلى آخر ذلك وإنما لا بد أن نحشوها ونوجهها للمقاومة ولمواجهة الأعداء، كل هذا يمكن أن يجد له مبررات لكن ما نفهمه كمثقفين أن الثقافة هي السلاح الأفعل في مواجهة الأعداء، الثقافة تعني الكرامة ثم تعني الحرية.ويجب أن نجتهد نحن العاملين في هذا الحقل أن نوسع دائرة المعرفة لدى قادة الرأي والفكر في هذه الأمة ليدركوا أن الثقافة يمكن أن تشكل الحصان الرابح في مواجهة الأعداء وبناء حاضر الأمة ومستقبلها. وتظهر الاحتفالية مدى التقدم والتطور الذي أظهره البلد الذي يحتفل به لمدة عام كما أنه يجب أن يكون حقلاً للسياحة الثقافية حيث يتوافد السياح لزيارة البلد الذي يقيم عرسه الثقافي. ولقد وجهت سوريا الدعوات لجميع وزراء لثقافة العرب وحضر عدد كبير من منهم كما حضرت شخصيات مرموقة، هذا العرس هو تظاهرة عملياً يمكن أن توضح صورة الراهن وتتطلع إلى صورة المستقبل المأمول.أما الكاتبة والأديبة الدكتورة ابتسام الصمادي فقالت: يليق بدمشق أقدم عاصمة مأهولة بالتاريخ أن تكون لها احتفالية على المستوى الثقافي بهذا الشكل المميز خاصة في ظل الحصار والوضع الثقافي لمصلحة الحراك السياسي. وتبقى دمشق الآن بحراكها السياسي ولموقفها المبدئي الذي يعتمد على الحل السلمي والسلام العادل والشامل في المنطقة.وتبقى دمشق عاصمة الكرامة العربية أيضاً، وعاصمة الحواس العربية لأن الكرامة حاسة.وكل ما يدور في المنطقة إنما يدور بمنطق الصورة التي تلتقطها الكاميرا مقلوبة، لذلك إنما مطروح هو صورة مقلوبة لحقيقة الأشياء، الآن المطلوب هو رأس كل مقاوم وكل عاصمة عربية مقاومة. ونحن نرى أن كل مناضل ومقاوم على الساحة للنهج الاسرائيلي - الأمريكي هو مرفوض ومحارب كما نجده في عدد من زعماء العالم المناهضين للسياسة الأمريكية والصهيونية. ومن هنا تبرز أهمية هذا الحدث الثقافي كفعل وجود وفعل مقاومة لأنه تستطيع ان تثبت وجودك فكرياً أو ذهنياً، وترسيخ الهوية العربية من خلال المكونات الثقافية للساحة الثقافية الأهم اليوم، خاصة في ظل وجود الفضائيات المفتوحة على العالم، ومن يستطيع أن يثبت فكره ووجوده ثقافياً في ذهن الآخر هو الذي ينتصر في النهاية.المفكر والكاتب الدكتور طيب تيزيني قال: هذه الاحتفالية كانت بحق عملاً جميلاً ومهماً في معاني متعددة ولكن بصورة خاصة بالمعنى الثقافي الاجتماعي، لقد ضمت الاحتفالية عدداً كبيراً من المثقفين رجالاً ونساءً دللوا على أن سوريا هي ربما أكثر من خزان ينتج الثقافة والمثقفين وقد جاءت الكلمات التي قدمها الضيوف من خارج سوريا تصديقاً على ذلك وتأكيداً على أهمية دور الثقافة في انجاز المهمات العربية المعلقة الآن.وكانت كلمة الرئيس بشار الأسد هامة وملفتة فقد تعرضت لكثير من المنحنيات في الثقافة العربية بتاريخ كما في الثقافة العربية المعاصرة وأتى على مجموعة من المشكلات التي رأى فيها بحق أن الثقافة تشغل دائماً حيزاً مهماً حتى في المسائل التي تبدو بعيدة عن الثقافة. ولكن لاحظت في عيون الآخرين ولاحظت عندي أيضاً إنها كانت مناسبة جليلة لو كان الرئيس الأسد قد أطلق إشارة هامة بالنسبة إلى المثقفين فأصدر عفواً عن هؤلاء الذين يخضعون في السجون لأنهم لم يفعلوا أكثر من أنهم فتحوا أفواههم بمسائل في الوطن الصغير ولعلهم أخطأوا أو أصابوا، ليس هذا هو المقصود وإنما المقصود أن تشتغل كل القول والمنابر لتنتج حالة نسعى إليها تحت عنوان المشروع العربي النهضوي التنويري، وربما أقرأ ذلك فيما قد يأتي من الأيام لأن الاحتفالية في مسارها العمومي كان يشير إلى ذلك، إلى انفتاح في كثير من المنعرجات السورية وبصورة خاصة المنفرج الثقافي الذي يهتم به العالم كثيراً لأن الثقافة أصبحت في حالات معينة أكثر أهمية وبعيداً عن النشاطات الأخرى بما فيها السياسية، لذلك أتصور أن الاحتفالية هذه ستثير انتباه كثير من الأوساط في الداخل العربي كما في الخارج العالمي من أجل أن يكون ذلك من أجل وفي سبيل سورية وتقدمها ونهضتها، كنت أتمنى أن يطوى هذا الملف... ملف المثقفين، وكما أشرت ريما يتم هذا قريباً لأن المنحى العام الذي أطلق فيه الرئيس الأسد خطابه قرأته ضمن هذا الاعتبار وهذا السياق. إن الثقافة قد تحارب دوراً أكثر أهمية وأكثر ضبطاً وتأثيراً من العمل السياسي الذي يعيش الآن حالة من الانحطاط في كل العالم العربي. إن أهمية مثل هذه الاحتفالية في إنها قد ترسل إشارات إلى الآخرين باتجاه العمل في إطار التراكم الثقافي والاجتماعي وربما بصيغة أكثر تدقيقاً باتجاه مؤسسات ثقافية تعيد اللحمة بين الشعوب العربية وبين أفراد كل شعب في كل قطر عربي. فهذا أكان فعلاً مثالاً هاماً ودالاً إذا ما قرئ على هذا النحو الذي يعني أن هذا التشتت الذي يحدث الآن في الوطن العربي والمنطقة عامة إنما يحتاج إلى مدخل لم يفكر فيه السياسيون من قبل أنه كما أعنيه المدخل الثقافي الجامع الضامن لحالة من الوحدة بين فئات وطوائف وتعددات ثقافية ودينية في كل الأقطار العربية. قد يشار إلى أن ما قدم في الاحتفالية كان بمثابة إطلاق شعار جديد (عودوا إلى الثقافة) ولكن العودة إلى الثقافة ستكون غداً أو بعد غد مشروطة بالعودة إلى السياسة، إن العودة إلى هذين النسقين كفيلة بأن تعيد للوطن ألقه ونشاطه وأن تسهم في إخراج كل تلك المشكلات القابعة في خلفنا إلى العلن بحيث تصبح محطة حوار موسع ذي بعد استراتيجي ومرحلي آني. إذاً الذي يمكن قراءته من هذه الاحتفالية أريد أن أقرأ فيه أنه قد يكون من خلال إعادة الثقافة والسياسة إلى المجتمع العربي أو المجتمعات العربية وتنحية النظم الأمنية التي للأسف أساءت كثيراً أو قليلاً، وبهذا المعنى تنحية النظم الأمنية لا يعني إنهاء الأمن بقدر ما تعني العودة إلى المعادلة الأساسية التي تمتلك أهمية خاصة في العلوم السياسية وهي التحدث عن أم الدولة وليس عن دولة الأمن. وفيما يتعلق باهتمام صاحب السمو الشيخ محمد بن سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بالثقافة والاحتفالية الثقافية فإنه يشير إلى اهتمامه بالنشاطات الثقافية على المستوى العربي والقومي فالثقافة تكتشف الآن شيئاً فشيئاً بمثابتها المدخل إلى العودة إلى المجتمع الوطني السياسي والمدني الديمقراطي الذي هو وحده القادر على إنتاج نهوض عربي جديد في عصر يكاد يبتلع كل شيء وأعني بذلك العصر العولمي الذي يرفع شعاره واضحاً دون أي تغطية ويقول أن هذا النظام يسعى إلى ابتلاع الجميع ضمن لحمة واحدة ورؤية واحدة هي الرؤية السوقية التي إذا ما نجحت فإنها تكون قد ابتلعت الهويات الوطنية الثقافية وهويات التضامن الإنساني والوطني والقومي وغير ذلك. بتعبير آخر إن العودة إلى الثقافة ومعها إلى السياسة قد تمثل أهم عودة لما علينا أن ننجزه في عصر عولمي يريد أن يسير بنا إلى نهاية الموقف على صعيد أبعاد السياسة والثقافة عن حياتنا. وبالتالي فإن هذا يأتي رداً على ما يحدث في العالم الغربي العولمي وإنما هناك أيضاً في الغربي صراع بين العولمة والمجتمع المدني والسياسي الديمقراطي ومن ثم فإن الاحتفال بقضية الثقافة الآن بدمشق والعواصم العربي كما في العواصم الخارجية بصورة خاصة إنما تتلفح بأهمية ذات بعد دنيوي كبير إنه قد يؤسس لحالة جديدة في الوطن العربي تعيد له روحه التي أنجزها في تاريخه الطويل ويعاد النظر فيها الآن بإطار جديد متقدم.وتأتي أهمية مثل هذه الاحتفالية في إنها قد ترسل إشارات إلى الآخرين باتجاه العمل في إطار التراكم الثقافي والاجتماعي وربما بصيغة أكثر تدقيقاً باتجاه مؤسسات ثقافية تعيد اللحمة بين الشعوب العربية. فهذا أكان فعلاً مثالاً مهماً ودالاً إذا ما قرئ على هذا النحو الذي يعني أن هذا التشتت الذي يحدث الآن في الوطن العربي والمنطقة عامة إنما يحتاج إلى مدخل لم يفكر فيه السياسيون من قبل أنه كما أعنيه المدخل الثقافي الجامع الضامن لحالة من الوحدة بين فئات وطوائف وتعددات ثقافية ودينية في كل الوطن العربي. وأعتبر أن ما قدم في الاحتفالية كان بمثابة اطلاق شعار جديد عودوا الى الثقافة.إن الثقافة تكتشف الآن شيئاً فشيئاً بوصفها المدخل إلى العودة إلى المجتمع المدني الذي هو وحده القادر على إنتاج نهوض عربي جديد في عصر يكاد يبتلع كل شيء وأعني بذلك العصر العولمي الذي يرفع شعاره واضحاً من دون أي تغطية ويقول إن هذا النظام يسعى إلى ابتلاع الجميع ضمن لحمة واحدة ورؤية واحدة هي الرؤية السوقية التي إذا ما نجحت فإنها تكون قد ابتلعت الهويات الوطنية الثقافية وهويات التضامن الإنساني والوطني والقومي وغير ذلك. وبتعبير آخر ان العودة إلى الثقافة تمثل أهم عودة لما علينا أن ننجزه في عصر عولمي يريد أن يسير بنا إلى نهاية الموقف على صعيد أبعاد السياسة والثقافة عن حياتنا. وبالتالي فإن هذا يأتي رداً على ما يحدث في العالم الغربي العولمي وإنما هناك أيضاً في الغرب صراع بين العولمة والمجتمع المدني والسياسي الديمقراطي ومن ثم فإن الاحتفال بقضية الثقافة الآن بدمشق والعواصم العربية كما في العواصم الخارجية بصورة خاصة إنما تتلفح بأهمية ذات بعد دنيوي كبير إنه قد يؤسس لحالة جديدة في الوطن العربي تعيد له روحه التي أنجزها في تاريخه الطويل ويعاد النظر فيها الآن بإطار جديد متقدم.ويعتبر الأديب والكاتب خيري الذهبي أن الاحتفالية هي فرصة ذهبية لعودة دمشق الى الواجهة، حيث تعود دمشق إلى الواجهة مرة أخرى بعد ثلاثة عشر قرناً، كانت دمشق العاصمة السياسية للعالم العربي والإسلامي كله ولكن تغيرات التاريخ أثرت فيها وجعلتها مدينة طرفية، إلا أن قدرها دائماً هو أن تكون مصدراً للثقافة فمنذ عشرين قرناً حينما كانت دمشق عاصمة آرام صدرت اللغة الآرامية إلى العالم كله لتصبح اللغة الآرامية لغة الحضارة والثقافة في العالم كله، والآن ها هو الدور ثانية يأتي لدمشق لتكون عاصمة للغة العربية للثقافة والفكر والحضارة والإشعاع. أنا شخصياً اتفقت مع وزارة الثقافة على إصدار 12 كتاباً بمعنى كتاب لكل شهر، يتحدث عن دمشق تحديداً في الانثروبولوجيا والتاريخ والرواية والدين والشعر. الآن ونحن أمام هذه الظاهرة الجميلة التي شهدناها في الافتتاحية والتي كانت على مستوى عالٍ جداً من الرقي والأناقة والجمال، ونرى هذه الاستعدادات وهذا السعي إلى جعل دمشق عاصمة حقيقية للثقافة.واعتقد أن ابتكار فكرة عاصمة الثقافة العربية في حد ذاتها وجعلها جوالة بين المدائن والعواصم كانت فكرة جيدة وطيبة وكانت فكرة لجعل هذه العواصم تتنافس وتحاول تقديم أفضل ما لديها ونحن الآن أمام امتحان دمشق نرجو أن يحوز على مرتبة عالية في الشرق.أما الأديبة والكاتبة نعمة خالد فقد رأت ان الاحتفالية بالبعد الرسمي بما ألقي من كلمات تحمل آمال كبيرة بما يخص الحلم لمشروع ثقافي حر يستطيع المبدع أو المثقف فيه أن يكون في دائرة الضوء والفعل فقالت: إن ما أعلن بالمؤتمر الصحفي الذي سبق هذه الاحتفالية وتضمن برنامج الفصل الأول منها هو يشجع على أن نستمر في هذا الحلم، الفصل الأول من الاحتفالية لم يتطرق إلى جوانب وظروف الإبداع والفكر الأخرى ما خلى الموسيقى والغناء والمسرح، وفي وقت تشكل فيه الثقافة الحصن الأخير في منطقة تعج بالأزمات السياسية والاقتصادية مكان من الأجدى أن يكون هذا البرنامج يحمل علامات النهوض لهذا الحصن فلقد دعت الكلمات الرسمية سواء كانت من قبل الرئيس الأسد أو عمرو موسى أو رئيسة الأمانة العامة تدعو إلى الحرية في الإبداع والثقافة التلاقح الثقافي مع الآخر ومد الجسور بين الثقافة العربية والغربية فهل ستشهد سنة 2008 إلغاء الرقابة المسبقة؟ سؤال أحلم أن يتحقق كما وعدنا؟ أيضاً أحلم أن أطل على المشاهد الثقافية العربية من خلال هذه الاحتفالية، هذه المشاهد التي تخضع لقطيعة قطرية تبعاً للسياسي في وقت نحن أحوج فيه لتواشج هذه الثقافة وأن يتم دعم الثقافة بالمال وأن لا تبقى مثل متسول على باب رجال الأعمال والمؤسسات، فالأمانة العامة حتى بدء الاحتفالية الرسمية لم تكن قد وقعت عقداً مع مثقف وكأن بهذا المثقف يأكل من الهواء، أليس واقع المثقف الاقتصادي أكثر بؤساً من واقع الثقافة العربية، سأحوّر مقولة وأقول (المثقفون يزحفون على بطونهم). الخير كل الخير لدمشق عروسة الثقافة، كما هي عروسة التاريخ وأرجو كثيراً أن تتكلل بنشاط ثقافي مميز. أما الكاتب والأديب حسن حميد فرأى ان التفاصيل التي تحفل بها الاحتفالية تعطيها بعدها العربي والحضاري، وذلك من خلال الأنشطة التي رسمتها المؤسسات الثقافية، وقال: البداية من خلال الاحتفال تشير إلى أن إعدادات كثيرة كانت وراء هذا العمل، وفي ظني أن الأيام ستكشف أن ما ستقدمه دمشق من ثقافة وعلوم وأدب وحراك إبداعي سيعبر عن دمشق القديمة بمعالمها وتاريخها وحقوقها بين العواصم العربية وغير العربية كما سيعبر عن دمشق بأهل ثقافتها وفنونها في أوقاتنا الحاضرة، وما قدم في الافتتاح كان جميلاً متناسباً مع أهمية دمشق ودورها واعتقد أن بوابات الآتي ستفتح على ما هو أهم وأجمل من خلال الكثير من الأنشطة التي أعدوها أهل هذه الاحتفالية، وإن دمشق كعاصمة للثقافة والسياسة والعمران لا يمكن تجاهلها، وأنا كمثقف أعرف تماماً أن الأهمية تكمن في المجتبيات او النتائج التي تقوم بها العواصم الثقافية من أجل تخديم الثقافة العربية في وسط ثقافي عالمي متغير ومتطور في كل لحظة وثانية، ولذلك أنا أقول إن الحراك الثقافي الذي تقدمه هذه العواصم العربية سواء كانت دمشق أو الشارقة أو القاهرة.. هو حراك لمصلحة الثقافة العربية على اجتماعها. وأنا أتخوف من أن تطغى على هذه الاحتفاليات الإعلانية والإعلامية والاستهلاكية على ما هو حيوي وثابت ومؤثر، اتمنى الا تكون المظهرية والاعلامية هي كل شيء في مثل هذه التظاهرات. وما أود أن أصل إليه هو أن تقوم هذه العواصم الثقافية ومنها دمشق اليوم أن تصل بالكتاب إلى كل بيت وأن تجعل من القراءة عادة وأن نؤسس لمكانات كانت معروفة في الحضارة العربية والإسلامية هي مهمة للأدباء والمفكرين والكتاب على اعتبار أنهم يشغلون مساحتين أولاً: مساحة الضمير والوجدان وثانياً مساحة العقل والتفكير في هذه البلاد، وكلنا يعرف دروس التاريخ بأن ما من امة تقوم لها قائمة من دون علمائها ومفكريها وثقافتها وهذه صفحات التاريخ أمام كل الناس ليروا كيف نهضت الأمة الفرنسية وأمم أوروبا بشكل عام، ذلك لم يكن إلا عبر المقدمات الثقافية والفكرية التي قام بها العلماء والمفكرون. الكاتب والأديب الدكتور وليد مشوح رأى أن هذه الاحتفالية يجب أن تقدم خمسة أمور أو أن يكون الهدف من صيرورتها نحو خمسة مواقع، الأول إعادة الألق للثقافة العربية والثاني إلغاء الخصوصية، والثالث إلغاء الحواجز بين المثقفين والرابع إلغاء الحاجز بين المثقف والسلطة، والخامس إبراز دور المثقف الحقيقي، فقال: يجب أن تلغى ميزة النخبة من الثقافة لأن المثقف هو ضمير وليس هناك ضمير أكسترا أو ضمير خمس نجوم أو أربع نجوم فنتمنى أن تكون هذه البنود أو هذه المسارات مصب اهتمامات هذه الاحتفالية الكبيرة، لكن حتى لا نبخس الأمور حقها، إنها فعلاً خطوة فعلاً لتفعيل الثقافة ويجب أن نركز على المدينة المثال من الجانب الثقافي وأن تفعّل الثقافة من جديد وأن يعود للمثقف دوره وأن يكون المثقف واعياً لما يحاك ضد هذه الأمة وأن يكون عاملاً ريادياً، وأن يكون الأدب عربياً شاملاً من المحيط إلى الخليج. فالثقافة يصنعها تعامل المثقف مع واقعه الاجتماعي أولاً الوطني الواقع القومي أن يكون المثقف هو السلاح النوراني ولا أقول التقليدي في توعية الجماهير، ولهذا أتمنى أن تضم هذه الاحتفالية كل الحراك الثقافي الموجود في الساحة السورية، لأننا عندما نقول عاصمة ثقافية يجب أن تتناول الثقافة بصنوفها كافة وأن نتداول الفنون من الفن الحركي إلى الفن المرسوم إلى الفن المنحوت.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"