مدحة عكاش: الصحافة سرقتني من الأدب

أصدر مجلة “الثقافة” قبل نصف قرن
14:44 مساء
قراءة 4 دقائق

رغم أنه تجاوز الثمانين عاماً، إلا أن حماسته لاستمرار مجلة الثقافة، التي أصدرها قبل خمسين عاماً، لم تفتر أبداً، هكذا وجدت الخليج مدحة عكاش، شيخ الصحافيين السوريين، ما يزال يتذكر أيام المجلة الأولى، حيث كان كُتّابها من كبار الأدباء السوريين، الذين غيّب الموت معظمهم، وتمكن المرض من البقية، مُصراً على أنهم الجيل الذي أنتج أدباً راقياً لن يُنسى. الخليج التقت عكاش، وكان لها معه هذا الحوار:

من أين أتت فكرة إنشاء جريدة الثقافة قبل نصف قرن؟

-تم إصدار العدد الأول من مجلة الثقافة قبل نصف قرن تماماً، أي في عام ،1958 وكان لها أهميتها في تلك الأيام بسبب قلة الصحف الموجودة آنذاك على الساحة الأدبية، مما اضطر الكثيرين من الأدباء السوريين، لنشر أعمالهم خارج الوطن، وجاءت الفكرة لإيجاد صحيفة تحتضن كتابات أبنائها وتشجع المبدعين.

بعد نصف قرن من صدور الثقافة، كيف تنظر إلى الدور الذي لعبته هذه المجلة على صعيد الحركة الثقافية في سوريا؟

- أعتقد أن مجلة الثقافة تركت بصمتها الواضحة على الحركة الثقافية في سوريا، منذ العدد الأول، فكان لإصدارها الأثر الكبير في استقطاب أقلام الأدباء والشعراء القدامى كبدوي الجبل وشفيق جبري، وعمر أبو ريشة وغيرهم، تلاهم بعد ذلك نديم محمد، وحامد حسن، ونزار قباني، وجاء عقب ذلك الفوج الثالث الشاعر رضا رجب، ومحمد منذر لطفي، وجابر خير بك، وحسان الصمادي، ومن الأدباء شكري فيصل، ود. شاكر مصطفى، وعبدالمعين الملوحي، وسبقهم ألفة الإدلبي، وبديع حقي وسعد صائب، نشرت في الثقافة الكثير من المقالات لهؤلاء الأدباء ونتاجهم الأدبي. والمهم في مسيرة المجلة أنها استطاعت ربط الكتاب السوريين في المهاجر بوطنهم، يضاف إلى ذلك أن أول هدف للثقافة هو الكشف عن المواهب الجديدة، وتشجيع الأدباء الشباب وأظن أن المجلة بلغت بعض ما تريد في هذا المضمار.

ما العلاقة بين العمل الصحافي والإبداع الأدبي، وهل من تناقض بينهما؟

- لاشك في أن القاسم المشترك بين الاثنين هو القلم والورقة والفكرة، رغم أن لكل نوع طبيعة خاصة وتكوينا يتميز بسماته عن النوع الآخر، فالكتابة الصحافية المباشرة تختلف عن الإبداع الأدبي الذي يحتمل الرمزية والتشبع بالمشاعر والوجدان وغالبا يتصف بحالة فردية خاصة،المأخذ على العمل الصحافي اليومي أنه قد يتحول إلى خطر على المبدع الذي تشغله الصحافة عن تجلياته الخاصة، أقول هذا انطلاقا من تجربتي الخاصة فقد شغلني العمل الصحافي عن كل شيء، حتى عن بيتي وأولادي، وكنت دائماً أتوقع وأتتبع المفاجآت الأدبية والأسماء الجديدة، وحتماً انشغالي هذا أثر في إبداعي الخاص حيث بدأت شاعراً، ولكن العمل الصحافي سرقني من العمل الأدبي.

من خلال مشوارك الطويل في الصحافة كيف كانت علاقتك مع الرقابة الإعلامية، وكيف تنظر إلى دورها؟

- على صعيد عملي المباشر لم يقل لي أحد أي كلمة ولم تتوقف مجلة الثقافة منذ صدورها عام 1958وحتى الآن، ولم نصطدم خلال هذه الفترة بأي جهة رقابية، كنا في فترة من الفترات نأخذ الصحيفة إلى وزارة الإعلام لمراقبتها، وكانوا يقولون لنا، صحيفتكم لا تحتاج لرقابة طبعاً الآن لا توجد رقابة على الصحف الخاصة، أما بالنسبة لموضوع الرقابة بشكل عام فأنا أعتقد أن العمل في الحقل الإعلامي يرتبط بالمسؤولية تجاه المجتمع، فكلما ارتفع عامل الإحساس بالمسؤولية بين الإعلاميين في تحري الدقة والموضوعية، انخفض دور الرقابة وأداؤها.

عاصرت جيلين من الكتاب والأدباء في سوريا، الشيوخ وأدباء هذه الأيام، فما الفرق بين الجيلين؟

- للأسف البعض من أدباء اليوم مغرور، ويرى أنه متفرد في إبداعه، وأحياناً يتعاملون بالسب والشتم والإقلال من شأن تجارب الغير، على عكس أدباء أيام زمان، حيث كان المبدع يبدي إعجابه بزميله، ويضع إنجاز زميله قبل إنجازه الأدبي، ويعطيه المكانة التي يستحقها، والسبب أنهم لم يكونوا (رحمهم الله) أنانيين كما نلحظ لدى العديد من الأدباء الشباب الآن، الذين يحاولون صعود السلم كما يقولون دفعة واحدة، ودون روية أو تمهل، حتى يتم البناء بشكل سليم يجب أن يخطو المرء خطوة فخطوة وعلى أرض صلبة.

لكن هناك حاجة للتواصل بين الأجيال في ظل ثقافة الوصول إلى القمة بسرعة، أليس لانتشار الفضائيات دور في هذه الثقافة؟

- التواصل بين الأجيال أمر ضروري، لخلق ثقافة محصنة ضد الغزو الثقافي والفكري، الذي نشهده الآن، ويبث عبر مئات المحطات والفضائيات التي تنتج وتقدم في بعض الأحيان برامج ترفيهية مسطحة تهدف إلى إقصاء الجيل عن ثقافته وأصالته وعروبته، وتهدف إلى اقتلاعه من هويته وتغريبه وتحويله لكائن مستهلك، ومقلد ومهمش ولا يهتم بالقضايا العامة، ولا يخرج عن دائرة الذات والأنا والتي تسيء له ولمجتمعه في المحصلة. وتنشر ثقافة الاستهلاك والسرعة كالأغاني الحالية التي لا لون ولا لحن ولا كلمات جميلة لها.

كيف تنظر إلى واقع الإعلام السوري الآن؟

- أعتقد أن الإعلام في سوريا يشهد في السنوات الأخيرة تطورات جدية، من حيث بروز صحف خاصة تسهم في إثراء التجربة الإعلامية المكتوبة، وإضافة إلى ذلك فإن الصحف الرسمية تعمل جاهدة على تنويع اهتماماتها عبر البحث عما يهم المواطن ويجذب القارئ، لذلك أتوقع تلمس نتائج هذا التطور الإعلامي، خلال فترة قصيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"