الأمم المتحدة والأزمة السورية.. عنوان للفشل

00:41 صباحا
قراءة 6 دقائق
عند الحديث عن الأمم والمتحدة والأزمة السورية، لا يُمكن بأي حال صرف النظر عن فشل المنظمة الدولية، كمنظمة قامت على أساس حماية السلام العالمي، في تفعيل الحل السياسي لهذه الأزمة، الممتدة منذ سنوات. وهنا، لا يُمكن للمرء إلّا أن يتذكر مقال صحيفة «الغارديان» البريطانية، المنشور عبر موقعها الإلكتروني، منذ شهر واحد (في 8 سبتمبر/أيلول الماضي)، والذي جاء بعنوان: «لقد أخفقت في سوريا وإيبولا.. فما هو خطب الأمم المتحدة؟!».

في هذا المقال، نقلت «الغارديان» عن داغ همرشولد، الذي شغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة، ك«ثالث» شخص يتولى هذا المنصب، مقولته عن المنظمة الدولية: «إنها أُنشئت لإنقاذ الإنسانية من الدمار».. رغم ذلك، فإن هذه المنظمة قد أخفقت في أدائها أكثر من مرة، وكما أكدت الصحيفة، فإن «آخر إخفاقات الأمم المتحدة تجسدت في سوريا، وفي وقف انتشار إيبولا».

والواقع، أن الصحيفة البريطانية لم تتجاوز الحقيقة في انتقادها للمنظمة الدولية؛ بل، ولم تغالِ في الربط بين الإخفاقين، وقف انتشار إيبولا، وحل الأزمة السورية، إذ إن مثل هذا الربط، لا يخلو من دلالة ذات مغزى.

إخفاق الأمم المتحدة

إن الحدث الأكثر دلالة على الإخفاق، بل الفشل، هو اجتماعات الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة (الاثنين 28 سبتمبر/أيلول الماضي)، التي شهدت فشلًا في التغلب على الخلافات بن قادة دول العالم حول الأزمة السورية، ففي الوقت الذي بدا فيه أن ثمة اتفاقاً بينهم على ضرورة التوصل لحل سلمي لهذه الأزمة، إلّا أنه، في الوقت نفسه، اختلفت وجهات نظرهم حول مصير رئيس النظام السوري.. بشار الأسد.

فمن جهة، ترى الولايات المتحدة أنه «لا يُمكن العودة إلى الوضع السابق على اندلاع الحرب في سوريا»، وذلك كما جاء في كلمة الرئيس الأمريكي، أوباما، أمام الجمعية العامة، أمّا روسيا، فهي، على العكس من الولايات المتحدة، ترى أن «عدم التعاون مع الحكومة السورية هو خطأ كبير»، وهو ما صرح به فلاديمير بوتين في كلمته، ومن ثمّ، يرى الروس أن دور الرئيس السوري مهم في الحرب ضد الإرهاب، في حين يرى الأمريكان أن استمراره يسهم في تأجيج الصراع الطائفي.

وما بين الروس والأمريكان، تقف المنظمة الدولية موقف المتفرج على الخلاف الناشب بين القوى الكبرى بخصوص الأزمة السورية. هذا، وإن دل على شيء، فإنما يدل، ليس فقط، على «الشلل الدبلوماسي» للمنظمة الدولية عمومًا، ومجلس الأمن الدولي بوجه خاص، على مدار السنوات الأربع الماضية؛ ولكن، أيضاً، على «الفشل الذريع» للأمم المتحدة في التوصل إلى حل لتسوية الأزمة في سوريا.

وهذا، هو عين ما اعترف به الأمين العام للمنظمة الدولية في كلمته، حيث أكد على أنه: «مادام لا يوجد جانب يريد أن يصل إلى حل وسط مع الجانب الآخر، فإنه سيكون من غير المجدي أن نتوقع تغييراً على الأرض». وقد جاء هذا الاعتراف، من جانب بان كي مون، إثر اعتراف آخر له، هو «إن هناك خمس دول، على وجه الخصوص، تملك الحل هي؛ روسيا والولايات المتحدة، والسعودية وإيران وتركيا».

اعترافات بان كي مون، تلك، تؤشر إلى جانبين:

الأول، أن الجمعية العامة قد فشلت في تحقيق آمال التوصل إلى حل سياسي، عبر التواصل الدبلوماسي، للأزمة السورية؛ وهو فشل مضاف إلى فشل المنظمة الدولية لإيجاد حل لهذه الأزمة المستمرة، تلك التي خلفت بحسب إحصاءات حقوقية ما يزيد على 250 ألف قتيل، وهو فشل ناتج عن الاختلاف بين القوى التي تملك الحل لهذه الأزمة.
الأخير، أن تلك القوى، التي أشار إليها الأمين العام للأمم المتحدة، سواء الإقليمية منها (السعودية، تركيا، إيران)، أو الدولية (روسيا، الولايات المتحدة).. لا تستطيع التواصل مع بعضها البعض، من منظور ضرورة التوصل إلى «حل وسط» للأزمة.
ومن ثمّ، فإذا كان بان كي مون قد أشار إلى أنه «من غير المجدي أن نتوقع تغييرًا على الأرض».. فإننا، في الوقت نفسه، نؤكد فشل الأمم المتحدة، وبالتالي استمرار الأزمة السورية طوال هذه السنوات، يعود في أهم أسبابه إلى أن سوريا نفسها تقع عند نقطة التقاطع بالنسبة إلى الاستراتيجيات الدولية للقوى الكبرى.. وهي استراتيجيات مختلفة، بالتأكيد، تبعًا لاختلاف مصالح وتوجهات هذه القوى.
على الجانب الروسي، يدعو الموقف حيال الأزمة إلى التساؤل عن الأسباب الدافعة إلى تعامل روسيا معها، وكأنها القضية الأهم بالنسبة إليها في منطقة الشرق الأوسط.. على الأقل، من منظور الانحياز الروسي إلى جانب النظام السوري، منذ اندلاع الانتفاضة السورية (في 15 مارس/آذار 2011).
وفي ما يبدو، فإن القادة الروس اتخذوا من الأزمة السورية مثالاً، لإظهار مدى قوتهم وتأثيرهم في الأزمات الدولية، هذا، فضلاً عن الإعلان الروسي عن العودة من جديد إلى المسرح الشرق أوسطي، خصوصاً بعد أن استطاع الغرب إبعاد روسيا عن ليبيا، ومراوغته إياها إبان تدخل حلف الناتو لإسقاط القذافي ونظام حكمه.
لا يعني هذا، أن العالم يعود إلى أجواء مرحلة «الحرب الباردة»، بقدر ما يعني العودة الروسية بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط، لتؤكد حضورها في أحداث هذه المنطقة، في ظل التراجع الأمريكي الواضح بخصوصها، هنا، أصبحت سوريا ضرورة روسية، بعد خسران ليبيا، التي تم إبعادها عنها ب «المراوغة».. ليس، فقط، من أجل البحث عن أسواق لسلاحها وسلعها ونشاط الرأسمال فيها؛ ولكن، أيضاً، لأجل «التواجد» في المنطقة الرخوة، التي تُمثل الفناء الخلفي لمنطقة وسط آسيا.

ومن ثم، استغل الروس الضعف المتزايد في قوة النظام السوري، وإيران كذلك، للتدخل عسكريًا، إذ، ظهر بوضوح، في الآونة الأخيرة، أن اختلالاً في ميزان القوى العسكرية، بدأ يتوجه لغير مصلحة النظام السوري وحلفائه، بل، وما حافظ على عدم سقوطه إلّا حسابات الدول الإقليمية، التي تتحكم بقوى أساسية تقاتل النظام في الداخل.

هنا، أصبحت سوريا «ضرورة استراتيجية» بالنسبة إلى روسيا. يكفي أن نلاحظ، أنها استطاعت فرض مصالحها على نظام يحتاج إلى «حماية دولية»، وليس مجرد «مساندة إقليمية». وهنا، نتذكر الامتيازات التي حصلت عليها روسيا منذ أعوام ثلاثة (تم التوقيع على هذه الامتيازات، في أغسطس/آب 2012). هذا، إضافة إلى تمكن الروس من إيجاد قاعدة بحرية كبيرة على شواطئ البحر المتوسط.

ولم تكن روسيا وحدها في هذا التحرك، ولكن هناك الصين، التي تحالفت معها منذ بدايات الأزمة السورية، فقد أفادت الأنباء التي أبرزتها وكالة «شينخوا» الصينية، بوصول حاملة الطائرات الصينية «لياولينغ» إلى ميناء طرطوس السوري، إضافة إلى القوة المرافقة لها، والتي تتضمن عدداً من سفن الصواريخ الموجهة، بما يعني دخول الصين رسمياً إلى سوريا، وانضمامها إلى حليفتها روسيا.

التراجع الأمريكي الغربي

هذا التحالف، الروسي الصيني، بخصوص الأزمة السورية، ليس وليد اللحظة، ولكنه يمتد إلى سنوات مضت. وهو تحالف، سوف يُعيد تشكيل العلاقات الدولية على أسس مختلفة، فقد شكل «الفيتو» الروسي الصيني (في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2011)، ضد مشروع القرار الغربي المتعلق بالأزمة، في مجلس الأمن الدولي، محطة جديدة في العلاقات الدولية، وترسخ تحالف مكونيها، الروسي الصيني، عندما تكرر استخدامه للمرة الثانية (في 4 فبراير/شباط 2012)، في نفس موضوع الأزمة السورية.
والواقع، أن التقدم الروسي الصيني إلى الساحة السورية، كلاعبين أساسيين في هذه الأزمة، وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً، عبر البوابة السورية.. ما كان ليتم، بمثل هكذا وضوح، لولا التراجع الأمريكي في المنطقة، ومثلما أوكلت الولايات المتحدة الأزمة الليبية إلى الاتحاد الأوروبي، في تراجع واضح منها حيال هذه الأزمة، فقد تراجعت لمصلحة روسيا في الأزمة السورية.
إذ، لم تكن الولايات المتحدة منافساً لروسيا في التدخل العسكري لهذه الأخيرة، مؤخراً.. فقد أظهرت (منذ بداية عام 2012)، ميلها ل«التنازل» عن سوريا إلى الروس، بل، رتبت مبادئ «جنيف 1» معها، كما سمحت بوجود معارضة سورية تقبل بالرؤية الروسية. لهذا، لم تشعر روسيا بمنافسة أمريكية في سوريا.. والدليل، هو سطحية «رد الفعل» الأمريكي على التدخل العسكري الروسي هناك، لنا أن نلاحظ، كذلك، في نفس السياق، سطحية الرد البريطاني، حيث اكتفى دافيد كاميرون، بوصف التدخل العسكري الروسي بأنه «خطأ فظيع».

وماذا بعد(؟!)..

وبعد.. فإن قولنا الأخير هذا، عن التراجع الأمريكي والتقدم الروسي إلى الساحة السورية، يؤكد أن المراهنة على الولايات المتحدة، أو على روسيا، إنما هو في الحالين رهان خاسر.. تبدى ذلك بوضوح في ليبيا، وها هو يتبدى الآن بوضوح في سوريا.
أما التحجج من كل منهما ب«محاربة داعش»، فهي حجة إعلامية لا أكثر، لأن «داعش» هذا، ليس إلّا «ورقة تمرير سياسات»، لأجل إعادة هيكلة منطقة الشرق الأوسط، على أسس جديدة، تتكيف مع الاستراتيجيات الدولية التي تتقاطع في هذه المنطقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"