المكسيك ..10 آلاف عام من الدهشة

ضيف الشرف
01:10 صباحا
قراءة 5 دقائق
الشارقة: عثمان حسن

الثقافة المكسيكية غنية بثرائها الحضاري، الذي يشمل تنوعاً هائلاً في الهوية، هذا التنوع الذي تتجاذبه مجموعة مختلفة من التأثيرات عبر التاريخ المكسيكي، من حضارات المايا والأزتيك القديمة إلى الوجود الأوروبي المهيمن، على ثقافات اليوم.
نحن نتحدث هنا، عن تاريخ يمتد لنحو 10 آلاف عام من الثقافات والأعراق واللغات التي تشكل في مجموعها ثراء يطبع ثقافة وفنون المكسيك بالثراء والدهشة والسحر.
هذا التنوع، هو من دون شك، يمزج بين الممارسات والتقاليد الضاربة في التاريخ مع الوجود الاستعماري الإسباني، الذي كان له تأثيره العميق على جميع جوانب الحياة. فقد عانى المكسيكيون صراعاً طويلاً عبر التاريخ؛ لتحديد الهوية المكسيكية وتعزيزها، مروراً بما مرت به المكسيك من عدم استقرار سياسي؛ نتيجة الحروب مع الولايات المتحدة وفرنسا، والاحتلال الاستعماري، الذي في الأغلب كان يدفع بالمجتمع المكسيكي؛ ليكافح من أجل تشكيل هويته المتماسكة والراسخة.
انعكس هذا التنوع في الآداب والفنون القديمة، في التشكيل والرقص والغناء وفنون العمارة، وهو يكاد يتشكل على النحو الذي نشاهده في مباني المايا والأزتيك، مع تلك الثقافة التي أخذت من الملمح الأوروبي والأمريكي الوسيط، مع تلك الفورة على صعيد الأفكار والطروحات التي شكلت «مكسيك اليوم»، وأنتجت على نحو سريع، تلك الخصائص الفريدة، في الآداب والفنون والموسيقى.

عبر التاريخ

تنحدر كلمة «مكسيكو» من كلمة «مكسيكا» وهو اسم المجموعات الأصلية التي استقرت في وسط المكسيك، والمعروفة باسم «الأزتيك».
ثمة تقسيمات ثقافية متنوعة داخل الأمة المكسيكية، وأكثرها شيوعاً في شمال ووسط وجنوب، وجنوب شرق المكسيك. كان الشمال الواسع شبه الصحراوي قليل الكثافة السكانية حتى منتصف القرن العشرين، باستثناء بعض المدن المهمة؛ مثل: مونتيري. تقليدياً، تضم هذه المنطقة الجغرافية مجموعة صغيرة من السكان الأصليين، وهناك وسط وغرب المكسيك المكتظ بالسكان، الذي يشكل مهد الأمة المكسيكية، وقد حضرت الثقافات الهندية المتطورة للغاية في هذه المنطقة في عصور ما قبل وصول المستعمر الأوروبي، وكانت أيضاً قلب مستعمرة إسبانيا الجديدة. العديد من المدن البارزة في المكسيك هي المراكز الحضرية والصناعية الكبرى اليوم.
التقسيم الثقافي الآخر في المكسيك له صلة بما يُطلق عليه «التيبلانو» والمناطق الجبلية، فضلاً عن السهول الساحلية. في أجزاء كثيرة من المكسيك، تعد منطقة «التيبلانو» مجالاً حيوياً للسكان الأصليين؛ حيث تكون مناطق «سييرا» هي الأكثر محلية.
في نطاق أصغر وضيق نوعاً ما، كانت الأمة المكسيكية تتميز تقليدياً بهويات ثقافية محلية قوية. مثل هذه الهويات الإقليمية والمحلية القوية، أدت إلى التنوع الثقافي، الذي تشهده المكسيك اليوم، رغم ذلك الرباط القوي الذي يشد المكسيكيين بدولتهم القومية القوية.
وخلال ثلاثة قرون من الحكم الاستعماري، شكلت العاصمة حاضنة لمقرات إسبانيا الجديدة. ومكسيكو سيتي اليوم هي ثاني أكبر مدينة في العالم؛ حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 20 مليون نسمة، وتتركز معظم الأنشطة الإدارية والاقتصادية فيها.

الموسيقى

تاريخ الموسيقى مملوء بالعديد من الأساليب والتأثيرات الموسيقية المختلفة من إسبانيا وإفريقيا، ويعود تاريخ المكسيك الموسيقي إلى أكثر من ألف عام، قبل أي اتصال مع الأوروبيين، وكانت المنطقة تحت سيطرة ثقافة الأزتك، وهي ثقافة حافظت على تقاليد موسيقية مهمة.
الابن المكسيكي، يعني «الصوت» باللغة الإسبانية وهو أسلوب موسيقي ظهر لأول مرة في القرن السابع عشر، وهو مزيج من التقاليد المحلية المكسيكية والإسبانية والإفريقية، مثل «الابن الكوبي».
وهناك أغاني الرانشيرا، وهو نوع من الأغاني الذي ساد في منتصف القرن التاسع عشر قبيل الثورة المكسيكية المعروف بالرانشيرا. وتميزت هذه الأغاني بموضوعاتها التقليدية كالوطن والحب والتغني بالطبيعة. وهذه الأغنيات متنوعة الرتم، ويمكن تشبيهها بالفالس والبولكا أو البوليرو ولها مقدمة ووسط وخاتمة.
ال(مارياشي)، وهو أسلوب موسيقي يختلف النقاد حول أصوله، فيرجعه بعضهم إلى مراسم الزواج، نظراً لتشابه الجذر مع اللغة الفرنسية، وهو إلى الآن يشكل جزءاً مهماً من مراسم الزفاف عند بعض الأقليات في المكسيك، وإحدى النظريات تشير إلى أن أصول هذه الموسيقى قادمة من (الكوكا إنديان)؛ أي من الوصلة التي تؤديها الأوركسترا على المنصة.
بحلول أوائل القرن العشرين، بدأت المارياشي المعروفة بمحليتها، تندمج في نوع موسيقي موحد، أصبح معروفاً في جميع أنحاء المكسيك. والمارياشي ترجع في جزء كبير منها إلى الموسيقيين (سيلفستر فارجاس وروبن فوينتيس) ممن حرصوا على تدوين الموسيقى الشعبية وتوحيدها في عموم المكسيك.
وهناك فرقة شهيرة تعرف بفرقة مارياشي الذي يستمتع المكسيكيون بما تقدمه من موسيقى تبرع في تجسيد الثقافة المكسيكية بأشكالها المتنوعة.
واليوم تقف هذه الموسيقى جنباً إلى جنب مع الموسيقى المعاصرة كالبوب والفالس والروك التي تقدم مطعمة بنكهة محلية، ففي خمسينات القرن الفائت تم تقديم الأبواق والقيثارات إلى الأوركسترا المكسيكية، فأصبحت فرق المارياشي تستخدم هذه الآلات الحديثة في موسيقاها.

مصدر إلهام

والمكسيك تشجع الفنون بوصفها مرآة عاكسة للحياة، وهناك العديد من الحوارات واللقاءات والتجارب الفنية التي تعكس ألواناً لا حصر لها من جماليات المكسيك، فيما يعرف بالفن الشعبي الذي يثير الحنين والتذكر وتقاليد الجمال الطبيعي، بدءاً من الأدغال الخصبة إلى الصحارى الهادئة، والتي تتميز بالتنوع، كما تعكس طبيعة خلابة مترامية الأطراف في تشياباس وأواكساكا وميشواكان وغويريرو التي طورت روابط مهمة وذات مغزى بالعالم المحيط بها.
ويمكن التعرف إلى الفنون المكسيكية بزيارة المتاحف مثل المتحف الوطني للأنثروبولوجيا في مدينة مكسيكو، كما تضم كل ولاية من ولايات المكسيك عدداً كبيراً من المتاحف الفنية التي تعرض الفن الشعبي عبر التاريخ.
وتعد جذور الفن الشعبي مصدراً لإلهام الفنان المكسيكي، خاصة في أماكن مثل أمريكا اللاتينية، لاسيما وأنه فن خاص بعيد عن تأثيرات عصر النهضة الأوروبية. وبهذا المعنى، فإن الفن المكسيكي هو فن يعبر عن الذات، وتنعكس فيه الكثير من السمات و(الموتيفات) كالحيوانات بوصفها تمثل الحكمة، وهو الذي يفسر هوس الفنان المكسيكي الذي لا يتوقف مع دمج الشكل الحيواني في الفن الشعبي المكسيكي. إنها تمثل الروح الإنسانية. وهناك مثال شائع للغاية وهو الديك، الذي تحظى صورته بشعبية خاصة في الولايات الشمالية؛ حيث يكون الجو حاراً وجافاً.
وهناك عدد من الفنانين المعروفين عالمياً الذين عكست أعمالهم أشكالاً لا حصر لها من الحيوانات كالأسود والغزلان والطيور والأرانب في مختلف ولايات المكسيك مثل: فرانسيسكو توليدو، وروفينو تامايو، وخوان سوريانا.
وإضافة لذلك، هناك الحرف اليدوية التي تتميز بجوهر خاص في الفن المكسيكي، كما يركز بعض الفنانين على سرد القصص الشعبية التي تلعب دوراً مهماً في الفنون الشعبية. وإضافة إلى الحيوانات يركز بعض الفنانين على الموتيقات النباتية في أعمالهم كعباد الشمس، فضلاً عن توظيف الحرف اليدوية، ومشغولات الفضة ومجوهرات الذهب والفخار والطين وخلافها.

الجداريات

نظراً لفخر المكسيكي بتاريخ بلاده، ينجز بعض الفنانين جداريات تعكس سمات وجذور الفن المكسيكي، وتعرض هذه الأعمال على مدار العام في المتاحف الكبرى والأكثر شهرة في المكسيك، كمتحف الفنون الجميلة، ومن أبرز الفنانين الذين برعوا في رسم الجداريات ديفيد الفارو سيكروس، الذي ينزع إلى التجريد، ونقد الكثير من مظاهر المجتمع وتبرز الشخصية الثابتة للجدار من خلال تراكيب مختلفة الثيمات والعناصر في هذه الجداريات، فهو يعنى بإثارة أكثر الأسئلة إلحاحاً في جوانب الحياة المختلفة.

35 موقعاً على قائمة ال «يونيسكو»

تعد المكسيك من أكثر الدول الغنية بتراثها الإنساني، وهي أيضاً من الدول التي تحتل مواقع ومدن عدة فيها قائمة التراث العالمي، والتي تصل بحسب تصنيف «اليونيسكو» إلى 35 موقعاً، وتتوزع هذه المواقع بين الثقافية والطبيعية وغيرها ونذكر منها: المركز التاريخي لاكساكا ومونت ألبان، والمركز التاريخي لبويبلا، ومدينة ما قبل الإسبان في تيوتيهواكان، ومدينة غواناخواتو التاريخية ومناجمها المجاورة، ومدينة تشيتشن إيتزا (ما قبل الإسبان)، والمركز التاريخي لموريليا، والتاجين، ومن المواقع أيضاً (وادي تهوكان - سويكاتلان) وهو موطن أصلي في منطقة وسط المكسيك، ويعد الوادي على وجه التحديد موطناً لغابات الصبار العمودية الأكثر كثافة على وجه الأرض، والتي تشكّل منظراً فريداً يتألف أيضاً من الصبار ونبات اليوكا وأشجار البلوط.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"