عفاف و«الأستاذ»

23:44 مساء
قراءة دقيقتين

مارلين سلوم

من يقرأ ما قالته الفنانة عفاف راضي في حوار حديث لها عن أسباب عودتها للغناء مجدداً بعد نحو ١١ عاماً من الغياب، وتحديداً في دار الأوبرا، يشعر بكمّ الوفاء وبالقيم التي نشأ عليها أهل الفن «زمان»، والتي لن نقول إنها اختفت في هذه الأيام، بل تدحرجت نزولاً فصارت بالكاد تُرى. تشعر بأن «التلميذة» عفاف تشكر أستاذها ووالدها الروحي في الغناء «الأستاذ» بليغ حمدي عبر إحياء ذكرى رحيله بالغناء، بعد أن اختارت بملء إرادتها الابتعاد عن الساحة والاكتفاء بمراقبة المشهد الفني من بعيد.

تقول عفاف راضي، إن «الأستاذ بليغ استثنائي، فقد تبنى موهبتي، وتعلمت على يده كل شيءٍ، وكنت أثق في اختياراته دائماً»، واختيارات الكبار زمان تختلف كلياً عن اختيارات منتجي ومؤلفي وملحني ومغني اليوم. هو تطور في العصر طبعاً، لكن التطور جاء للأسف مصحوباً بتخلف وانهيار في الذوق وتذوّق الفن الأصيل. يمكنك أن تهضم بعض أغاني «المهرجانات» كما يسمونها في حفل أو مناسبة، لكنك سرعان ما تصاب بعسر هضم وصداع وتوتر ورغبة في الهروب من المكان. وللمقارنة، يمكنك أن تشغل أغنية لعفاف راضي أو نجاة أو أي من أهل الطرب الجميل وأنت تقود سيارتك، فتعيش مع الأغنية التي تنقلك إلى عالم آخر، كأنك أخذت جرعة مسكن للصداع الذي سببته أغاني «الهيصة» والقرقعة والضجيج المتواصل.

هل يفاجئك تصريح عفاف راضي أن ابتعادها عن الغناء مقصود؛ «لأن حال السوق أصبحت فى تردٍ، وبات الطرب الأصيل عملة نادرة.. وأن عدداً كبيراً من الفنانين والمنتجين «يستسهلون» الغناء، ولو انصرف الجيل الحالي عن نظرية «هو ده اللى ماشي والجمهور عاوز كده» فسنرى تغييرات إيجابية»؟

المحزن أن تسمع أحد المساهمين في موجة الهبوط الحاد في الأغنية العربية يقول إن الفن موجود للترفيه والتسلية، ولا حاجة لتضخيم الأمور من قبل البعض وخصوصاً الصحافة، بالسؤال دائماً عن «الرسالة» من أي عمل فني! بالنسبة له ولفئة من المشاركين الأساسيين في موجة الهبوط الحاصل ومن حملوا صفة مطربين وهم بالكاد «مؤدون»، الغناء رقص وقفز وتفريغ طاقة بالدرجة الأولى ولا حاجة للتدقيق بالكلام وحسن اختيار الشعر وجمال الصوت وقوته، وهو ما يفسر الاستسهال الحاصل في اختيار الكلمات وتقديم الأغنية كيفما كان، دون التركيز على المضمون والصوت ومميزاته، والمهم تحقيق إيرادات عالية، وحصد الشهرة حتى ولو عاشت الأغنية شهراً واحداً ثم ماتت.

عفاف راضي التي غنت مع الكبار وأمامهم مذ كانت ابنة ١٧ عاماً، نشأت على مفاهيم كثيرة وأسس وضعها هؤلاء الكبار، عرفت معنى الغناء برفقة فرقة موسيقية ضخمة، ومبدعين في التلحين والعزف، ومبدعين في كتابة الشعر واختيار الكلمة وعمق وقعها وأثرها على الجمهور؛ كبرت هي أيضاً وهاجس الوقوف أمام الجمهور باحترامٍ، واحترام ذوقه وسمعه وإحساسه وفكره لم يفارقها أبداً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"