الانتخابات «الإسرائيلية».. تحالفات الشياطين!

03:43 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

حمل رئيس الحكومة «الإسرائيلية»، بنيامين نتنياهو، على منتقدي التحالف الذي أنشأه مع حزب «العظمة اليهودية» العنصري واصفاً إياهم ب«اليساريين من المنافقين ومزدوجي الأخلاق». ولكن هذا الاتهام لم يمنع العديد من أنصار «إسرائيل»، وخصوصاً في الولايات المتحدة، وبينهم اللوبي الصهيوني «إيباك»، من تشديد الانتقاد لنتنياهو وصولًا إلى مطالبته بالرحيل. ويتم تبادل الاتهامات هذا في وضع بالغ الحرج لنتنياهو الذي يخوض معركة انتخابية حاسمة في ظل اتهامه رسميا بالفساد وقرب تقديمه للمحاكمة.
معروف أن نتنياهو عمد إلى تقديم موعد الانتخابات العامة في «إسرائيل» لتشكيل نوع من الضغط المعنوي والشعبي على المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، لمنعه من تقديم لائحة اتهام ضده في عدة ملفات فساد ورشوة. وكان الفارق كبيراً بين المعسكر اليميني الذي يقوده نتنياهو والقوى الأخرى من وسط ويسار المعارضة له.
غير أن عنجهية نتنياهو واستخفافه بسلطة القانون دفعا الآخرين إلى تشكيل تحالف واسع ضده، بقيادة رئيس الأركان الأسبق بني غانتس، ما خلق حالة جديدة في الحلبة «الإسرائيلية» عززت فرص تغيير الحكم للمرة الأولى منذ عقد من الزمان. ودفع الخوف من احتمال سقوط حكومة نتنياهو إلى «التحالف مع الشيطان» في سبيل منع سقوط حكم اليمين بزعامته. ولم يكن هذا اليمين إلا الجزء الأشد صراحة في عنصريته الصارخة ضد العرب والمطالب بدولة الشريعة اليهودية، والمتمثل في حزب «العظمة اليهودية» من أنصار الحاخام مئير كهانا.. وهكذا بدا هذا التحالف وكأنه تحالف بين شيطان وشيطان، وهذا لا يلغي أن كل التحالفات «الإسرائيلية» هي تحالفات بين الشياطين لأن الكل سواء في معاداتهم للشعب الفلسطيني وحقوقه.
وكان كهانا قد أسس في نيويورك في نهاية السبعينات «رابطة الدفاع اليهودية» التي نشأت عنها في الكيان «عصابة كاخ» الفاشية. وقد خاضت هذه العصابة الانتخابات في مطلع الثمانينات تحت شعار «طرد العرب» من فلسطين. ورغم فوزه في الانتخابات في الكنيست الحادية عشرة دفعت مواقفه العنصرية الكنيست إلى منعه لاحقاً من الترشح للكنيست وشطب قائمته من الحملة الانتخابية.
ولكن هذا المنع لم يكن مقنعاً لكل التيارات في «إسرائيل» أواخر الثمانينات. إذ كانت هناك جهات يمينية تقف على الأرضية ذاتها التي تستند إليها عصابة «كاخ» ورابطة الدفاع اليهودية. ولكن اعتبارات تنافسية لعبت دوراً في تمرير عملية إخراج هذه الرابطة عن القانون في دويلة الاحتلال، بينها قرار أمريكي باعتبارها «جماعة إرهابية». وقد أشارت الاستطلاعات في العام 1988 عندما تم شطب قائمة «كاخ» إلى أنها يمكن أن تحصل على 11 مقعداً في الكنيست. عموماً شطب هذه القائمة عزز اندفاعة الأحزاب اليمينية من الليكود إلى المفدال ثم البيت اليهودي نحو تبني الأفكار العنصرية ل«كاخ» مع تعديلات شكلية. إذ فازت في الكنيست قوى لا تقل عنصرية عن كاخ مثل «موليدت» برئاسة الجنرال رحبعام زئيفي و«تسومت» برئاسة الجنرال رفائيل أيتان وقبلها جميعاً حركة «هتحيا». وقد استندت كل هذه الأحزاب وغيرها على الطابع العنصري للحركة الصهيونية.
ولم يكن صدفة أن يحمل نتنياهو على معارضي إظهار هذا البعد خصوصاً عندما صار مصيره الشخصي ومصير الحكم اليميني على المحك. إذ قال إن معارضيه «يدينون إنشاء كتلة مانعة في اليمين تضم أحزابا يمينية في حين أن اليسار يعمل على إدخال الإسلاميين المتطرفين إلى الكنيست من أجل خلق كتلة مانعة». وأضاف إن «رفض الوحدة بين أحزاب يمينية أمر مرفوض، لكن العمل من أجل إدخال محرضين وجواسيس (يقصد أحزابا عربية) ضد «إسرائيل» أمر مشروع. هذه قمة العبثية».
غير أن نتنياهو في دفاعه عن التحالف الذي أنشأه بين «العظمة اليهودية» و«البيت اليهودي» من أجل ضمان استمرار حكمه تجاهل عدة اعتبارات رأى فيها كثيرون داخل الكيان وبين يهود العالم تجاوزاً لخطوط حمر. فعلى الصعيد الداخلي حث نتنياهو مكونات البيت اليهودي وحاخاماتهم على قبول هذا التوحيد عبر الاتفاق معهم ليس فقط على الشراكة في الأصوات الزائدة وإنما أيضا على ضمان وزارتين لهم في حكومته المقبلة. وأقرت جهات قانونية بأن اتفاقا كهذا غير شرعي وهو يعتبر مخالفاً للأجراءات المرعية. ولكن نتنياهو مستعد لتجاهل كل شيء، داخلي وخارجي، طالما أن الغاية الأساس هي البقاء في الحكم. وقد سبق له أن أعلن أنه سيواجه المستشار القضائي للحكومة بملايين الناخبين.
وعلى ما يبدو فإنه هذه المرة تجاوز الحدود كثيرا لدرجة دفعت اللوبي الصهيوني وعدداً من المنظمات والشخصيات اليهودية الأمريكية للمشاركة في الحملة ضده. إذ نشر الكونغرس اليهودي الأمريكي بياناً قال فيه إن «آراء حزب «العظمة اليهودية» تستحق كل الإدانة. وهي آراء لا تعبر عن القيم الأساسية التي أنشئت عليها دولة إسرائيل». وبعدها أعلنت «إيباك» تأييدها لموقف الكونغرس اليهودي الأمريكي وتأكيدها بأن «لدينا سياسة طويلة الأمد لا نلتقي بموجبها بأعضاء في حركات عنصريّة تستحقّ النقد». وقد انضم إلى هذا الانتقاد بشكل تلميحي المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط غايسون غرينبلات. ويعتقد على نطاق واسع أن موقف «الإيباك» والكونغرس اليهودي الأمريكي سوف يؤثر إن لم يكن على الناخب اليهودي فعلى الأقل على المانحين الأمريكيين الكبار للأحزاب السياسية هناك.
ولا بد من الإشارة للتحول الكبير في موقف يهود أمريكا من نتنياهو بنقل ما كتبه أحد كبار أنصار نتنياهو، المعلق السياسي اليميني، بيرت ستيفانس، في «نيويورك تايمز». إذ قارن بين نتنياهو المتهم بالفساد والمتحالف مع حزب كهانا والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الذي اضطر للاستقالة تحت تأثير فضيحة «ووترغيت». وأوضح أن المسألة لا تتعلق بالاتهامات ذاتها وإنما «بالسلوك السياسي المرفوض. وحل نتنياهو لوضع الانتخابات هو جذب أصوات اليمين الأشد تطرفاً. وقسم من الأصوات سيأتي من حزب «العظمة اليهودية»، وهو حزب عنصري لم ينل زعيمه، ميخائيل بن آري، تأشيرة دخول لأمريكا لأن واشنطن تعتبر حركة كاخ منظمة إرهابية. إذا أفلح نتنياهو في تشكيل ائتلاف فقد يغدو بن آري أحد أعمدته».
ولم يكتف ستيفانس بذلك وواصل القول: «ونضيف لهذه القائمة حملته الديماغوجية على عرب إسرائيل، وتقربه من قادة أوروبيين متطرفين وتعاطفه مع الجندي الذي قتل بدم بارد إرهابياً عربياً، لنحصل على صورة راسخة. نتنياهو شخص ليست لديه اعتبارات أخلاقية، ومصلحته السياسية الأساسية هي مصلحته الشخصية».
من المؤكد أن ستيفانس ويهود أمريكا لا يدركون حجم العنصرية في دويلة الاحتلال. وهذا ما حاول بن آري نفسه قوله حين رد على «الإيباك» والانتقادات لتحالفه مع نتنياهو بقوله إنهم «يظنون بصراخهم «كهانيين» أن الناس ستصاب بجلطة وتدخل المستشفى. كفى. الأمر انتهى قبل 30 عاماً. اليوم الحاخام كهانا ماركة مسجلة مرغوبة وليست شتيمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"