عدم احترام المواعيد سمة عربية

يعرقل التنمية في مجتمعاتنا
12:58 مساء
قراءة 5 دقائق

أصبح عدم احترام المواعيد في المجتمعات العربية شيئاً عادياً وصار عدم تقدير الزمن سمة عدد من مواطنيها، ولماذا المواعيد في الغرب تحدد وبالثانية، والمواعيد العربية على شاكلة صباحا وبعد الظهر وليلاً، ومدى تأثير هذه المواعيد على حياتنا اليومية الاجابة عن هذه التساؤلات في التحقيق التالي:

يؤكد المهندس المعماري شريف أحمد محمد أن احترام مواعيد التعاقدات والتسليم هي رأسمال شركة المقاولات الناجحة وتجعل لها اسماً في سوق العقار، لأن أصحاب المشروعات حينما يفكرون في المشاريع الكبيرة يهمهم في المقام الأول احترام مواعيد التسليم لأنهم مرتبطون مع مستثمرين بجدول مواعيد. وعدم الالتزام به يؤثر سلبا على استثمارات ومستقبل الشركة بجانب تعرض المقاول لغرامة تأخير منصوص عليها في العقد.

ويوضح أن السلوك التعاقدي في عالم المقاولات جعله الأحرص على احترام المواعيد في الحياة اليومية وليس على مستوى العمل فحسب، مشيراً إلى انه يحرص على الوصول إلى مكان الفعاليات الاجتماعية قبل موعدها بنصف ساعة على أقل تقدير ويتأزم جداً عندما لا يحترم غيره المواعيد.

ويصف من لا يحترمون مواعيدهم بعدم المبالاة وأنهم يستنزفون أوقات غيرهم في انتظارهم، وهي ظاهرة مدمرة ارتبطت بالشعوب العربية رغم أن تعاليم ديننا الحنيف تحث على احترام المواعيد والمواثيق والعهود فيما نجد الغرب أكثر اهتماما واحتراما للزمن.

أما موسى علي موظف فيأسف على الزمن المهدر من الشعوب العربية في المماطلة وعدم احترام المواعيد وضياع أوقات الفراغ في ممارسات غير مجدية وتضر بالفرد والمجتمع موضحاً أنه تعرض إلى تجربة مريرة كادت تفقده حياة شقيقه بسبب دقيقة تأخير في ادخاله للعناية المكثفة، وموقف آخر اضطر فيه إلى إنهاء علاقة مع صديقه بسبب عدم احترامه للمواعيد رغم تأكيده للحضور قبل الموعد.

ويرفض محمد علي الجابري رجل اعمال إلصاق صفة عدم احترام المواعيد بالعرب وان تكون صفة ملازمة لهم لأن التعميم يزعج من لا يتصفون بهذه الصفات غير العصرية، مشيرا إلى ان هناك عرباً يعدون مضرب الامثال في احترام المواعيد ودقتها، وهم خبراء وعقول عربية لكنهم يحملون جنسيات غربية فلا يحسبون على العرب وعلينا جميعاً ان نعمل على محاربة هذه الظاهرة والتي لا تشبه الإرث، موضحا معاناته من عدم احترام المواعيد في الحياة اليومية لكنه لم يفقد الامل في الاصلاح والتقويم وهو دوما يقدم النصح والارشاد لمن لا يحترمون مواعيدهم قبل أن يقطع صلته لأن عدم احترام المواعيد فيه عدم احترام الذين تتعامل معهم، مشيراً إلى خسارته صفقة كبيرة بسبب تأخر مندوب الشركة الاخرى في توريد الضمان البنكي في الوقت المحدد.

ويشير عبدالله النقبي مدير مدرسة الملك فيصل الثانوية بالشارقة إلى اهمية الزمن والدقة في المواعيد في الحقل التعليمي وهي قيم تربوية تحرص ادارات المدارس والمعلمون على غرسها في نفوس الطلاب وذلك بالتشدد معهم في المواعيد الدراسية المختلفة سواء مواعيد الحضور أو الانصراف أو مواعيد الحصص اليومية، وهذا الأمر يتم بالتنسيق والمتابعة مع أولياء الامور وإحاطتهم به حال حدوث أي تقصير من قبل أبنائهم الطلاب، لأنها مسؤولية مشتركة في تربية الاجيال على قيم اسلامية وعربية أصيلة، موضحاً أن العرب وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مثالا في الوفاء بالعهود واحترام المواعيد، فلماذا لا نربي الاجيال على هذا النهج الصالح وحتى لا تنطبق عليهم في المستقبل مقولة مواعيد عربية.

ويقول الدكتور علي الحرجان استشاري الطب النفسي بالشارقة ان عدم الايفاء بالمواعيد والحضور في المواقيت المحددة يكون في بعض الاحيان ناتجاً عن صعوبات قاهرة في الطريق أو ظرف طارئ لكن السائد في المجتمعات العربية هو عدم احترام المواعيد والتعامل معها بتساهل شديد غير مدركين أهمية الوقت في تطور الشعوب والامم مشيرا إلى ان تأخير ساعة زمن يمكن أن تتسبب في تخريب اقتصادات دول أو مشكلات اجتماعية لا حصر في الوقت الذي يعتبره البعض أمراً سهلاً لا غبار عليه وهذا الاستسهال هو الذي يجعل عدم احترام المواعيد سمة من سمات الشعوب العربية وداء يصعب الاستشفاء منه بين يوم وليلة ويحتاج إلى تضافر كافة الجهود في المجتمعات العربية للتخلص منه حتى يصبح الالتزام بالمواعيد سلوكاً اخلاقياً بعيداً عن سياسة العقاب وهو الأمر الذي يسود في المجتمعات الغربية حيث لا توجد لديهم عقوبات للتأخير أو عدم احترام المواعيد والالتزام بها لأن الرادع الاخلاقي وحده يكفي لتجنب هذا السلوك.

ويطالب الحرجان بأن يكون الكبار قدوة للصغار والمعلمون قدوة للطلاب والقيادات قدوة لمرؤوسيهم في التحلي بالسلوكيات الحضارية واحترام المواعيد لأنه لا يعقل ألا يحترم الكبار والمسؤولون المواعيد والزمن ونجيء ونطالب الصغار والمرؤوسين باحترامها وحينها سيصبح احترام الزمن والمواعيد سلوكاً اخلاقياً يسود كافة بلداننا العربية ويسهم في تنمية المجتمعات واقتصادياتها لان الغرب والمجتمعات الغربية ما تطورت وتقدمت وتميزت علينا إلا باحترامها للزمن والتعاطي معه بايجابية في جميع مناحي حياتهم.

وقام الخبير الاقتصادي المهندس حجازي النتشة بوضع افتراضية اقتصادية كشفت عن حقائق مروعة وخسائر كبيرة قد تصيب اقتصاد الدولة من وراء 10 دقائق تأخير فقط وذلك مفترضا أن عدد سكان الدولة مليوني ونصف المليون نسمة إذا تأخروا 10 دفائق، هذا يعني تأخيراً يساوي 48 سنة عملاً.

اذا افترضنا أن معدل الرواتب داخل الدولة هو خمسة آلاف درهم يكون إجمالي المبلغ المهدر خلال 10 دقائق فقط ثلاث ملايين درهم وهو خسارة كبيرة لاقتصاد الدولة.

ويقول النتشة إن التطور التقني والتكنولوجي أسهم بشكل كبير في اهدار الزمن وعدم احترام المواعيد خصوصا الهاتف المتحرك، لأنك ببساطة وعبر مكالمة هاتفية، أو رسالة نصية يمكن ان تعتذر عن موعد في آخر لحظة. دون أن تضع في الحسبان الضرر والخسائر التي تسببت فيها لغيرك وللمجتمع من حولك، ويوضح أن الانسان بطبعه منتج ومحب للعمل ولكي يتجنب إهدار الوقت عليه اتباع عدد من الوسائل منها ان يخطط لكل ثانية في حياته بعيدا عن الارتجال والا يجعل الأحداث العارضة والمكالمات الهاتفية وما يرد له عبر الإميل هو من يبرمج له فعاليات يومه، بجانب استخدام أساليب ادارة الوقت وهي كثيرة مشيراً إلى أنه بحث عن المقابل الانجليزي لجملة عدم احترام المواعيد فلم يجدها بل وجد مفردات مثل تنظيم الوقت، وادارة الوقت وهذا الامر يوضح ان اللغة تؤثر في المقبول والمرفوض اجتماعيا.

ويتساءل النتشة من أين جاء العرب بهذه الصفة وعدم احترام الزمن، والشعائر الاسلامية مبنية على المواقيت والدقة في الزمن مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج لذلك عدم احترام المواعيد والدقة فيها مخالف للتعاليم الاسلامية التي تدعو إلى احترام الوقت.

وتؤكد الدكتورة منى جمعة جاسم الخبيرة الاجتماعية والاستاذة بجامعة الامارات عدم احترام المواعيد والالتزام بها له انعاكسات خطيرة على العلاقات الاجتماعية وعلى سلوكيات المجتمع لان من لا يحترم مواعيده لا يحترم من يتعامل معهم بل يمكن ان يتسبب في ازمات اجتماعية وقطع صلات بسبب مواعيد متضاربة او حضور بعد الموعد المحدد، ويخلط اجندة الشخص الذي يكون بانتظاره، لأن الزمان اختلف وما عادت 24 ساعة تكفي الشخص لتكملة اجندته اليومية وذلك لتعدد الادوار التي يقوم بها الشخص الواحد في المجتمع ما بين الاسرة والوظيفة العامة والالتزامات الطوعية الخاصة فنصف ساعة مهدرة قد تخلط برنامج يوم كامل او تسبب أزمات اقتصادية وخسائر مادية كبيرة.

وتوضح أن دورها في الحياة اختلف فهي مطالبة بأن توفق ما بين مهامها كربة منزل وأم وأستاذة في الجامعة بجانب دورها في الحياة العامة وكل هذا يجعل من عدم الالتزام بالمواعيد مشكلة تعقد الحياة، ويصبح من لا يلتزم بمواعيده منبوذاً وغير مرغوب في التعامل معه لأنه يجلب المشاكل لمن يعطيه موعداً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"