الشريعة.. أحكام ومقاصد

02:21 صباحا
قراءة دقيقتين
شريعتنا الغراء بحر متلاطم من الأحكام والآداب، وكل الأحكام والتوجيهات الواردة في القرآن الكريم يربطها خيط ناظم لتحقيق أهداف ومقاصد عليا. ويرى الإمام أبو إسحاق الشاطبي أن الأعمال الشرعية ليست مقصودة في أحيان كثيرة لنفسها، وإنما قُصد بها أمور أخرى، هي معانيها والمصالح التي شُرعت لأجلها.وبناء عليه، فإن على الدعاة واجباً كبيراً نحو فهم المصالح العليا التي لأجلها كانت أحكام الشريعة.فالصفة الحقيقية التي تؤهل صاحبها لأن ينوب عن غيره، ويتكلم باسمه، هي أن يكون عارفا خبيرا بمقاصده على الجملة والتفصيل، وأما ما عدا ذلك فأمور مساعدة، فالداعية الذي يكتب ويتكلم، والمجتهد الذي يحكم ويفتي باسم الشارع، لابد أن يكون عالما تمام العلم بالمصالح العامة، والمقاصد الخاصة في المسألة التي يجتهد فيها ويحكم عليها. والعلماء يعرفون المقاصد على أنها المعاني والحِكَم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها.أي أنها الغاية والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامه.وقد كان العلماء يضعون لائحة طويلة بشروط الفقيه المجتهد، إلى أن جاء الإمام الشاطبي وحصر أول شرط لبلوغ درجة الاجتهاد في فهم مقاصد الشريعة على كمالها، وقال: فإذا بلغ الإنسان مبلغا فهم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة، وفي كل باب من أبوابها، فقد حصل له وصف هو السبب في تنزيله منزلة الخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله.إذاً معرفة أسرار النص وأولوياته، نهجٌ اجتهادي عريق في تراثنا الفقهي، لأنه بلا شك نابع من طبيعة الشريعة نفسها، ومشهود له في نصوصها وقواعدها. فكبار الأئمة كانوا مقاصديين في اجتهاداتهم، وقد وضعوا عشرات القواعد التي تنير لنا الطريق، والتي عن طريقها نعرف مقاصد الشارع ومقاصد المكلف ونربط بينهما، وهو بذلك قدم لنا خدمة جليلة تستحق العناية والدرس.فالزكاة مثلا إذا وجبت في الدراهم فأداها صاحبها حنطة لا تجوز عند الشافعي، لكن الأحناف يجوّزونه، لأن مراد النص سدّ خَلّة الفقير ودفع حاجته وقد حصل.وعلى هذا الأصل مضى ابن القيم رحمه الله في عدد من اجتهاداته، فقد قال عن صدقة الفطر التي فرضها النبي عليه السلام صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقِط، قال: وهذه كانت أغلب أقواتهم بالمدينة، فإذا كان أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك، فإنما عليهم صاع من قوتهم، إذ المقصود سد خلة المساكين يوم العيد.وهذا الاجتهاد قائم عموما على التعليل المصلحي مع عدم الوقوف على النص الظاهري، وبذلك الفقه يستطيع الدعاة فهم الشريعة وتنزيلها على الواقع المعاصر بطريقة صحيحة تصيب الهدف.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"