عادي

عذب الكلام

22:45 مساء
قراءة 3 دقائق
8

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغَتنا العربيّةُ، يُسْرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومُفرداتٍ عذبةٍ تخاطبُ العقل والوجدان، لتمتعَ القارئَ والمستمعَ، تحرّكُ الخيالَ لتحلّق به في سماء الفكر المفتوحة على فضاءاتٍ مرصّعةٍ بدرر الفكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، ننشرُ زاويةً أسبوعيةً جديدة تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضادِ السّاحرة.

في رحاب أمّ اللّغات

المشَاكَلةُ في اللّغةِ: المشابهةُ والمُماثلةُ. واصطلاحاً: ذكْرُ الشّيْءِ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوقوعِهِ في صُحْبتهِ. منها قولُ عمرو بنِ كلْثُوم:

ألاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا

فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلينَا

سَمَّى تأديبَ الجاهلِ على جَهْلِهِ جَهْلاً من باب المشاكلة، مع أنّ التأديب والعقاب ليسا من الْجَهْل.

والمرادُ من الجهل هنا السّفَهُ والغضَبُ.

وقولُ ابن الرَّقَعْمَق مُتَظَرِّفاً:

إخوانُنا قصدُوا الصَّبوحَ بسُحْرَةٍ

فأتى رسولُهُمُ إليَّ خُصوصا

قالوا: اقترحْ شيئاً نُجِدْ لك طَبْخَهُ

قلتُ: اطبخوا لي جُبّةً وقميصا

دلّ بهذا على أنّه بحاجةٍ إلى ما يَلْبَسُه.

دُررُ النّظم والنّثْر

من كتاب «نسيم الصبا» لابن حبيب الحلبي

الفراقُ - جمعَ اللهُ الشّمْلَ بِمُحَيّاك، ورَعى وُدّكَ على بُعْدِ المَزارِ وحَيّاك - وقَدِ اجْترى واجْتَرح، وأذْهَبَ المَسَرّةَ والفَرَح، وضَيّقَ رَحْبَ الفَضا، وقلّبَ القَلْبَ على جَمْرِ الغَضَا، وأوْرَثَ الكَمَد، وأذابَ جَليدَ الجَلَد، وجَابَ وجال، ونَثَرَ عُقودَ الاحْتِمال، وأوْجَدَ الوَجْدَ والهُيام وأحْوجَ الصّبَّ إلى العَبَثِ بالأقلام:

كَتَبْتُ وعِنْدي مِنْ فِراقِكَ لَوْعَةٌ

تَزيدُ بُكائي أو تُقلُّ هُجوعي

فَلَوْ أبْصَرَتْ عَيْناكَ حالي كاتباً

إذن كُنْتَ تَرْثي في الهوى لِخُضوعي

وقدْ عَلِمَ اللهُ أنّ يَوْمَ النّوى، أضْعَفَ بِناءَ جَسدي بالهَوى فَهَوى، وأحالَ صِبْغةَ حالي، وسَقاني كأسَ بُعدِ مَذاقُها غيّرَ حالي، فَعُدْتُ ذا سُكْرٍ دائم، وعَناءٍ تُحلُّ دونَهُ عُقدُ العَزائم. القلبُ مأوى الهُموم، والطّرْفُ موكلٌ برَعْيِ النُّجوم، والكآبةُ في الخاطرِ خاطِرة، والعَيْنُ إلى نَحْوِ الطّريقِ ناظرة، وأسْيافُ الضّنى تجرحُ الجَوارح، وسِهام الجَوى تَجْنحُ إلى الجَوانح. لا أعْرفُ لَذّةَ الوَسَن، ولا أملُّ مِنَ السّيْرِ في حُزنِ الحَزَن. ولا أردُّ الماءَ النّمير إلّا وَيلْفَحُهُ من كَبِدي حَرُّ السّعير. إنْ مَرَّ الفِكْرُ في خَلَدي شَرَحْت لَهُ صَدراً، وإنْ دَعاني الذّكْرُ الجميلُ مَرّةً لَبَّيْتُهُ عَشْراً. ولولا رجاءُ العَوْدِ والإيابِ، لانْفَصَمتْ مِنْ قِوى حياةِ العَليل عُرا الأسْباب؛ فتبّاً لأيّام الصدّ والقَطيعة، وسَقْياً لأوْقاتٍ كانتْ على رَغْم العِدا مُطيعة، حَيْثُ الأوْطانُ عامِرة، ووُجوهُ الأوْطارِ ناضِرة، وأغْصانُ العَيْشِ مائدَة، وصِلَةُ الأحْبابِ عائدة.

من أسرار العربية

في تَفْصِيلِ أوْصَافِ السَّحَابِ وأسْمَائِهَا:

أوَّلُ مَا يَنْشَأُ السَّحابُ: النَّشْءُ. إذا انْسَحَبَ في الهَوَاءِ: السَّحابُ. إذا تَغَيَّرَتْ له السّماء: الغَمَامُ. إذا كَانَ غَيْماً يَنْشَأ في عُرْضِ السّماءِ، فلا تُبْصِرُهُ ولكنْ تَسْمَعُ رَعْدَهُ مِنْ بَعِيدٍ: العَقْرُ. إذا أَطَلَّ أظلَّ السّماءَ: العَارِضُ. إذا كَانَتِ السَّحَابَةُ قِطَعاً صِغَاراً مُتَدَانِياً بَعضُها من بَعْض: النَّمِرَةُ. إذا كَانَتْ مُتَفَرِّقةً: القَزَعُ. إذا كَانَتْ قِطَعاً مُتَرَاكِمَةً: الكِرْفى. إذا كَانَتْ حَوْلَها قِطَعٌ من السَّحابِ: مُكَلَلَةٌ. إذا كَانَتْ سَوْدَاءَ: طَخْيَاءُ ومُتَطَخْطِخَةٌ. إذا رَأيْتَهَا وَحَسِبْتَها مَاطِرَةً: مُخِيلَة. إذا غَلُظَ السَّحَابُ ورَكِبَ بَعْضُهُ بَعْضاً: المُكْفَهِرُّ. إذا أنْقَطَعَ في أقْطَارِ السَّمَاءِ وتلبَّدَ بعضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ: القَرَدُ. إذا ارْتَفَعَ وحَمَلَ المَاءَ وكَثُفَ وأطْبَقَ: العَمَاءُ والعَمَايَةُ والطَّخَاءُ والطَّخَافُ والطَّهَاءُ. إذا اعْتَرَضَ اعْتِرَاضَ الجَبَلِ قَبْلَ أن يُطَبِّقُ السّماءَ: الحَبِيُّ. إذا أظلَ الأرْضَ: الدَّجْنُ. إذا تَعَلَّقَ سَحابٌ دُونَ السَّحَابِ: الرَّبابُ. إذا تَدَلَّى ودَنَا مِنَ الأرْضِ مِثْلَ هُدْبِ القَطِيفَةِ: الهَيْدَبُ.

هفوةٌ وتصويبٌ

كثيراً ما تردُ هذه العبارةُ «ونَوّهَ إلى أنّ الأمْرَ مُهمّ»؛ بمعنى «أشارَ إلى».. وهي خَطأ والصّوابُ «أشارَ أو لفتَ إلى..»؛ ففي صحيح اللغة: ناهَ الشّيءُ يَنُوهُ: ارتفعَ وعَلا؛ فهو نائِهٌ. ونُهْتُ بالشيء نَوْهاً ونَوَّهْتُ به ونَوَّهْتُهُ تَنْوِيهاً: رفعته. ونَوَّهْتُ باسمه: رفعت ذكْرَهُ.

ويقولون: «علِمَ بأنَّ الخبرَ صحيح»، و«ذكرَ بأنَّه كذا..» أو «ادّعى بأنّه.. و«شَهِدَ بِأَنَّ..»، و«قال بأن..»؛ إقحامُ الباءِ بعدَ هذهِ الأفعالِ غيرُ صحيح، والصوابُ حذفُها والقولُ:«علم أنّ..» و«ذكر أنّه»..إلخ. قال الخليل:

لَو كُنتَ تَعلَمُ ما أَقولُ عَذَرتَني

أَو كُنتَ تَعلَمُ ما تَقولُ عَذَلتُكا

لِكِن جَهِلتَ مَقالَتي فَعَذَلتَني

وَعَلِمتُ أَنَّكَ جاهِلٌ فَعَذَرتُكا

أما بعدَ «القول» فيجبُ كسرُ هَمْزة إنّ، نقول «قال إنّ».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"