العراق..مخاطر الفوضى تتزايد

03:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. هشام بشير *

لا تزال التظاهرات التي تفجرت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول العام الجاري، تتسع رقعتها في العراق، رغم حزمة الإصلاحات التي أطلقها رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، ثم سيل التهديدات التي أطلقها لاحقاً عندما لم تحقق وعوده النتائج المرجوة.
تمدد التظاهرات- بل وانطلاق موجة ثانية لها في 25 أكتوبر/ تشرين الأول- إلى معظم محافظات العراق يشكل تهديداً حقيقياً لحكومة عادل عبد المهدي، الذي لا يزال متمسكاً بالسلطة، ولم يقدم لأبناء العراق ما يثنيهم عن الاحتجاجات، فحتى حزمة الإصلاحات التي تحدث عنها، منذ أكثر من أسبوعين لم تصل مجلس النواب حتى الآن، وهو دليل دامغ على أن وعود عبد المهدي لم تكن سوى حبر على ورق، خاصة أن اتخاذ أي خطوات إصلاحية مشروط بسن القوانين اللازمة من مجلس النواب لإنفاذ تلك الإصلاحات.
ارتباك وتخبط
وفي دليل جديد على ارتباك وتخبط النظام العراقي، مع تجدد الموجة الثانية من الاحتجاجات- وكما كان متوقعاً- أدلى رئيس الوزراء العراقي بخطاب جديد اعترف فيه بأن الأزمة في العراق هي أزمة النظام السياسي، واعداً بمزيد من الإصلاحات، ومطالباً بوقف التظاهرات التي قد تحرق الأخضر، واليابس، وتهدد مستقبل الاستقرار في العراق. ومن الغريب أن عبد المهدي بعد خطابه فرض حظر التجوال الليلي في العاصمة العراقية بغداد، قابله معظم سكان العاصمة بالاستخفاف، حيث خرج الكثير منهم ليلاً سيراً وبسياراتهم لدعم المتظاهرين المحتشدين في ساحة التحرير.
وكشف استمرار التظاهرات والاحتجاجات أن المعضلة الأبرز التي تواجه الحكومة العراقية أن القطاع الأكبر المشارك فيها من الشباب الحالم بمستقبل واعد في بلد من المفترض أن يكون هو من بين الأغنى في المنطقة، بما يملكه من ثروات هائلة، وإمكانات غير محدودة، فضلاً عن تنامي شعور لدى معظم العراقيين بأن استمرار الحكومات العراقية في الحصول على الإملاءات الخارجية من جانب بعض القوى الدولية، والإقليمية، يمثل انتهاكاً سافراً لسيادة أرض العراق التي أصبحت مثل الكلأ المستباح، ولذا فإن هؤلاء الشباب - خاصة من أبناء الجامعات والمدارس- يدركون تماماً أنه لا يمكن الحصول على حقوقهم الكاملة، إلا من خلال استمرار الضغط الشعبي والتظاهرات، فرغم سقوط مئات القتلى، والآلاف من الجرحى، فإن أعداد المتظاهرين في تزايد مستمر، بل إن حماية هؤلاء الشباب أصبحت مطلباً دولياً، وليس شعبياً فقط.
وفي هذا الإطار، فقد أكدت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الثامن والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن المتظاهرين فرضوا أنفسهم على الساحة السياسية، وفقاً لأسس النظام الديمقراطي الذي جاء بجميع الساسة لحكم العراق، مطالبة بالتعامل بحكمة، وتجنب العنف، وتلبية المطالب المشروعة لأبناء الشعب العراقي. كما عبرت بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق عن قلقها إزاء العنف الذي يصاحب الاحتجاجات العراقية، داعية الحكومة العراقية لمحاسبة المتورطين في ارتكاب الانتهاكات، معربة عن أسفها لسقوط العديد من الأرواح والجرحى بين المتظاهرين، كما دعا وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، جميع الأطراف في العراق إلى رفض العنف، مؤكداً أن واشنطن تأسف لسقوط قتلى وجرحى.
احتجاجات مختلفة
وفي قراءة متأنية للتظاهرات والاحتجاجات الراهنة في موجتيها الأولى والثانية، يمكن رصد عدد من الملاحظات المهمة:
* أولاً: تشكل التظاهرات موجة جديدة ومختلفة عن كل الاحتجاجات السابقة التي جرت في السنوات الأخيرة، خاصة أن المشاركين فيها يشكلون معظم أطياف المجتمع العراقي، فهي غير فئوية، ولم يتصّدرها قائد، أو حتى مجموعة من القيادات، التي كانت تتصدر المشهد سابقاً.
* ثانياً: أثبتت التظاهرات فشل رجال الدين في توجيه المزاج العام العراقي، فبرغم الدعوة التي أطلقها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، إلى المحتجين لتهدئتهم، وعرض مطالبهم على السلطات الحاكمة، إلا أن التظاهرات قد تمددت في معظم المدن العراقية، خصوصاً الشيعية منها.
* ثالثاً: تعكس التظاهرات حجم الغضب الشعب المتراكم لسنوات طويلة من تغلغل الفساد في كل مفاصل أركان الدولة العراقية، خاصة داخل الطبقة الحاكمة منذ الغزو الأنجلو أمريكي للعراق في مارس/ آذار 2003 الذي تقدره بعض المصادر بأكثر من 500 مليار دولار، ومن ثم فهناك من يرى ضرورة استقالة وزراء الحكومة بالكامل، بل والمثول أمام الجهات القضائية لينالوا حسابهم جزاء ما اقترفوه من جرائم فساد، خلال عامهم الأول في الحكم، وآخرها قتل المتظاهرين السلميين.
* رابعاً: استمرار الحكومات العراقية في تطبيق سياسة رد الفعل فقط، والحصول على الإملاءات الخارجية من بعض القوى الإقليمية والدولية، لن يؤدي إلى استقرار العراق، أو إلى وأد الاحتجاجات، كما يتوقع الساسة العراقيون. فعلى سبيل المثال، فقد أصدر قاضي تحقيق في محكمة جنايات الفساد في العراق قراراً في السابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2019 باستدعاء وزير حالي، ووزير متقاعد وعضوين في مجلس النواب للتحقيق معهم في قضايا فساد.
* خامساً: أثبت نظام المحاصصة الطائفية أن مشاكل العراق في طريقها للتزايد، ومن ثم يجب عودة الأمور إلى نصابها بإسناد المناصب العامة والقيادية إلى أصحاب الكفاءات، وليس لأصحاب الولاءات، فضلاً عن أن معظم المحتجين يؤكدون أن ما يقوم به رئيس مجلس الوزراء عادل عبدالمهدي من إصدار حزم إصلاحية ترقيعية لن تؤدي إلى تحقيق النتائج المأمولة.
* سادساً: الشعب العراقي أدرك أن استمرار الأنظمة الحاكمة في استخدام الفزاعات الأمنية، لن تؤدي إلى أية نتائج مثمرة، بل على العكس في أحيان كثيرة، خاصة أن مقتل أبوبكر البغدادي، مؤسس تنظيم «داعش» الإرهابي، سيضعف كثيراً من مبررات الحكومة العراقية في استخدام العنف المفرط، بحجة الحفاظ على الأمن والاستقرار.
سيناريوهات الحل
وأخيراً، فإن هناك عدداً من السيناريوهات لإنهاء أزمة التظاهرات في العراق، أولها الاستجابة لكل مطالب المتظاهرين، وهو سيناريو صعب المنال، ولكنه مطروح، والسيناريو الثاني تحقيق جزء كبير من مطالب أبناء الشعب العراقي مع تعديلات وزارية، واستمرار محاسبة الفاسدين، وتطهير مؤسسات الدولة منهم، وتعديل الدستور، والبدء باتخاذ خطوات جادة نحو إعلاء الدولة القومية على حساب النعرات والمصالح الطائفية المحدودة، وهو السيناريو الأقرب، والسيناريو الثالث، وهو الأسوأ، يتمثل في حدوث مواجهات دامية بين المتظاهرين وقوات الشرطة والجيش، ومكافحة الإرهاب، من خلال استمرار القوات الحكومية في استخدام العنف المفرط، ما ينذر بمواجهة مباشرة قد يسقط فيها الآلاف من القتلى من الجانبين، ليفتح الباب على مصراعيه لتجدد العنف، والفوضى، والاقتتال الداخلي بين أبناء الشعب العراقي.

* وكيل كلية السياسة والاقتصاد لشؤون الدراسات العليا - جامعة بني سويف

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"