لنستفد من تجربة الكويت

01:54 صباحا
قراءة 3 دقائق

أخبار الاحتقان السياسي في دولة الكويت، مزعجة لكل من يهمه أن تظل الكويت على الدوام الواحة الخضراء التي أنبتت البذرة الأولى الصالحة للديمقراطية والإدارة الدستورية التشريعية المتحضرة في المنطقة، ولكل من يتمنى أن تستمر الكويت في هذا العطاء، عطاء الخير لأهلها ولأهل الخليج وللمنطقة العربية بصفة عامة.

آخر هذه الأخبار، هو التكتل القبلي واللجوء إلى النزاعات الجاهلية، ووقوف إحدى التجمعات القبلية في صف المعارض لدولة القانون، وانسحاب أفراد من المنتمين إلى هذه القبلية من وظائفهم الحكومية للانضمام إلى صفوف قبائلهم، آخذين بالمبدأ غير الحضاري (أنا وأخي على ابن عمي)، حتى ولو كان هذا الأخ ظالماً ومخالفاً للنظام والقانون.

لقد كان الكويتيون سباقين إلى إيجاد المجتمع المدني في المنطقة الخليجية العربية، ووجدت في الكويت قوانين وتشريعات تنظم أحوال الناس وتخرجهم من نطاق العشائرية إلى تجمع مدني قائم على القانون والحداثة الحضارية قبل الاستقلال عن الإنجليز في عام 1961.

وبالرغم من انتماء الشيوخ في الكويت، كما هو في غيرها من دول الخليج العربي، إلى أسر قبلية معروفة بريادتها لعشائرها، قبل التجمع الحضري للسكان، لكن قادة الكويت وشيوخها كانوا من أوائل من تطبعوا بالمدنية وعملوا على إقامة التجمع الحضاري، والخروج من التقليدية العشائرية في إدارة البلد، حتى إن الإنجليز عندما خرجوا من الكويت إثر الاستقلال، لم يجدوا أي صعوبة في المواءمة بين مطالب فئات شعبية من الكويتيين وبين الشيوخ وقادة البلد، في إقامة النظام الليبرالي والدستوري المتقدم للإدارة.

وبخلاف ما يدعيه الذين سلكوا مسالك الراديكالية والإفراطية من أعضاء التجمعات التي أطلقت على أنفسها مسميات التجمع الوطني والقومي وما شابه ذلك، بأن التعامل الحكومي معهم تتخلله الخشونة، لكن من الإنصاف أن يسجل التاريخ أن قادة الكويت كانوا في مرتبة عالية من المرونة وضبط النفس، ولم يحصل من هؤلاء القادة أن لجأوا إلى العنف و القسرية في التعامل لكبح جماح الجماعات المناوئة أو المعارضة، غير أن الخطأ الذي حصل والذي كانت نتائجه غير محمودة وتعاني من شرورها الكويت الآن، هو اللجوء إلى تقوية المنازع الفئوية والانتمائية مقابل التجمع المعارض الذي تمت الإشارة إليه، والذي لم يحسن هو الآخر التعامل مع الإدارة الكويتية سوى بالتنظيرية والديماغوجية السياسية، وعدم اتباع سياسة الفن الممكن، وأن ما لا يدرك كله لا يترك جّله.

وقد حدث بعد ذلك ما حدث، ومرّ الكويتيون بمحن الاعتداء عليهم واحتلال بلادهم، وتوسعت دوائر الانقسامات والشجون في المجتمع الكويتي، وتسرّب إلى نفوس الخليجيين الإحباط في تقليد تجربة الكويت، وأصبحت هذه التجربة الخليجية الرائدة التي بنيت عليها آمال دعاة الإصلاح السياسي في الخليج تجربة تولد كل يوم مرارة جديدة، وتعطي المناوئين حججاً يدحضون بها أية دعوة إلى الإصلاح.

ومن هنا فإن من الواجب علينا في دولة الإمارات أن يكون حبل الوصل بيننا وبين الكويتيين متيناً وقوياً، بحيث نستفيد من أية تجربة غير ملائمة مرّ بها إخواننا في الكويت، ونتجنب سلبيات هذه التجربة، وخاصة في مجال أي تراجع أو تباطؤ حدث في خلق المجتمع المدني الذي يبني أموره على القانون، والذي في غيابه تتشجع وتنمو الانتمائية الضارة إلى هذه الفئة أو تلك، ويقود في النهاية إلى تقلص الولائية للوطن وللوطنية وللدولة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"