أسباب تدعو للتفاؤل بعد عام صعب

20:50 مساء
قراءة 4 دقائق
1
بيل جيتس

بيل جيتس* 
عندما أسست وبول ألين شركة «مايكروسوفت» كانت رؤيتنا أن تسهم أجهزة الكمبيوتر الشخصية يوماً ما، بدور مهم في حياة الناس، لكنني لا أعتقد أن أحداً منا قد توقع مستقبلاً تكون فيه الأجهزة هذه وسيلة التواصل الوحيدة للعالم، في وقت خبرتُ فيه أكثر الأعوام صعوبة وغرابة في حياتي.
شهد عام 2020 فترة وجيزة من الحياة الطبيعية النسبية قبل أن يقلب «كوفيد  19» كل شيء رأساً على عقب. وفي عام 2021 ظل الوباء مسيطراً على حياتنا، وبات لزاماً علينا جميعاً التكيف مع الوضع الطبيعي الجديد، على اختلاف أشكاله من شخص لآخر. وبالنسبة لي، قضيت عاماً في الغالب عبر الشاشات داخل شبكة الإنترنت، وبمجرد أن تلقيت التطعيم، عاودت بعض اللقاءات الشخصية الصغيرة، لكن حياتي الاجتماعية لا تزال رقمية أكثر مما كانت عليه من قبل. لقد مثّلت الاثني عشر شهراً الماضية تجربة غريبة ومربكة لم أشعر خلالها بأن عالمي الشخصي أصغر مما كان متوقعاً.
في الوقت نفسه، كان عام 2021، بمثابة تذكير بأن عالمنا أصبح أكثر ارتباطاً من أي وقت مضى، إلى جانب عدد من الأحداث الضخمة ذات التداعيات العالمية، بما في ذلك قضايا المناخ، والآثار المستمرة للوباء، وانسحاب أمريكا من أفغانستان، وكيف تسببت إحدى سفن الحاويات العالقة في قناة السويس بشل حركة الشحن حول العالم. ومن بين أكثر الأمور إثارة، موافقة منظمة الصحة العالمية لأول مرة على لقاح الملاريا القاتل.
لقد كان عام 2021 عام التحولات الكبيرة، لكنه لم يغير ما أحببت دوماً القيام به. ومع قرب نهايته، وددت الحديث عن أربعة أشياء تأتي في مقدمة اهتماماتي مع اقتراب عام 2022، والتفاؤل الذي ينتابني، وهي التقدم الحاصل لإنهاء جائحة كورونا، وانخفاض الثقة بالمؤسسات، وما علمتنا إياه محادثات المناخ الأخيرة، وكيف رسمت الرقمنة السريعة مستقبلنا.
في رسالتي السابقة، كتبت أن عام 2021 سيكون أفضل من سابقه، وبينما أعتقد أن هذا صحيح من بعض النواحي وخصوصاً تطعيم مليارات الأشخاص، وعودة العالم إلى الوضع الطبيعي إلى حد ما، لكن التحسن لم يكن كما كنت أتمنى، بسبب متغير «دلتا» وفاعلية اللقاح معه. والنتيجة وفاة عدد أكبر من الأشخاص في هذا العام، مقارنة بالذي قبله. ومع ذلك، أنا متفائل بأن النهاية تلوح في الأفق أخيراً. وقد يكون من الحماقة القيام بتنبؤات أخرى، لكنني أرجح انتهاء المرحلة الحادة للوباء في وقت ما في عام 2022، فالعالم مستعد بشكل أفضل للتعامل مع المتغيرات المحتملة، وتصنيع لقاحات محدثة إذا لزم الأمر.
لقد سألني الكثير من الناس مؤخراً عما إذا كنت لا أزال متفائلاً بالمستقبل. وفي حين أن الإجابة هي نعم، لكن أن تكون متفائلاً لا يعني تجاهل المشاكل. فالوباء كان اختباراً هائلاً للحوكمة، ومع انتهائه، سيكون بمثابة تقدير لقوة التعاون والابتكار العالميين. في الوقت نفسه، أظهر لنا هذا العصر كيف يؤدي تراجع الثقة بالمؤسسات الحكومية إلى خلق مشاكل ملموسة، وتعقيد جهود الاستجابة للتحديات. وبناء على ما رأيته على مدار العامين الماضيين، أشعر بقلق أكثر من أي وقت مضى بشأن قدرة الحكومات على إنجاز الأشياء الكبيرة.
تراجع الثقة بالمؤسسات حديث العالم أجمع؛ إذ يُظهر مؤشر «إدلمان تراست» لعام 2021 انخفاضاً مقلقاً. وكما نعلم، تراجع الثقة يضرب الفاعلية، فإذا كان موظفوك لا يثقون بك فلن يدعموا مبادراتك الجديدة الكبرى، ولن يتبعوا الإرشادات اللازمة لتفادي العاصفة. وعلى الحكومات اتخاذ إجراءات مكثفة أكثر لمواجهة تحديات مفصلية، كتجنب كارثة مناخية أو منع جائحة صحية قادمة.
وبخصوص المناخ، أذهلتني الحماسة والمشاركة المكثفة في مؤتمر جلاسكو، وتجاوز الخلافات التي عاقت المشاركات السابقة، فأينما نظرت ترى قادة العالم ومسؤولين حكوميين ومديرين تنفيذيين، كلهم حريصون على تقديم أفضل التزامات حقيقية ممكنة. وكان التركيز على الابتكار أعظم تغيير رأيته مقارنة بعام 2015. فنحن الآن، أمام نضج واسع النطاق لضرورة أن يقود الابتكار أي خطة من شأنها تحقيق انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. باختصار، أثبت المؤتمر الأخير انخراط العالم أكثر لإحراز تقدم، والنتيجة اتخاذ خطوات ملموسة مهمة، كالالتزامات الجديدة بالاستثمار في التقنيات النظيفة، والتعهدات بخفض انبعاثات الميثان، وإنهاء إزالة الغابات بحلول نهاية العقد، فضلاً عن إنشاء تحالف يساعد المزارعين على التكيّف مع التغير المناخي.
أما عن مستقبلنا الرقمي، فقد منحنا عام 2021 بلا شك، نظرة أشمل، وحتى بعد انتهاء الوباء، بات واضحاً أن كثيراً من التقنيات وُجدت لتبقى. فقد قفز العامان الماضيان في كيفية استخدامنا للتكنولوجيا قفزات هائلة إلى الأمام، وسرّعا من حدوث تغييرات مفصلية كانت ستستغرق سنوات بخلاف ذلك. ورأينا اعتماداً سريعاً وتبنّياً واسع النطاق لخدمات موجودة بالفعل، مثل طلب البقالة عبر الإنترنت، أو الاجتماعات الافتراضية. وشهدنا كذلك، بزوغ فجر ابتكارات جديدة، أعتقد أنها لا تمثل سوى بداية كرة الثلج المنحدرة لما سيأتي في السنوات المقبلة.
ومع أننا بحاجة إلى عقد من الزمان على الأقل لفهم النطاق الكامل لتأثير الوباء في الرقمنة، لكنني أؤمن بحدوث تغييرات مستقبلية كبيرة في ثلاثة مجالات.
المجال الأول، وربما الأكثر أهمية، هو العمل المكتبي، والثورة التي أحدثها الوباء في طريقة تفكير الشركات في الإنتاجية والوجود في مكان العمل. والثاني التعليم عن بُعد، وكيفية استخدامنا للأدوات الرقمية الحديثة لتحسين طريقة تعلم الأطفال. والمجال الأخير الذي برزت فيه الرقمنة هو الرعاية الصحية، وازدياد عدد الأشخاص الذين يختارون المواعيد الافتراضية، بدلاً من الرعاية الشخصية.

*مؤسس «مايكروسوفت»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"