بين دراما الواقع والفضائيات

04:11 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبدالعزيز المقالح

الفارق شاسع بين «الدرامتين»؛ دراما الواقع بتراجيدياتها ودراما الفضائيات بكوميدياتها الباحثة عن الإضحاك في زمن البكاء. وفي المحيط المحلي حيث أعيش وأتابع، أجد أن المشاهدين للتلفاز كانوا قد انصرفوا عن متابعة ما يقدمه من مسلسلات رمضانية منذ ثلاثة أعوام، وصار الواقع بما يقدمه من تراجيديا ساخنة، هو شغلهم الشاغل ولا مكان في حياتهم لتلك «المساخر» التي تسمى بالكوميديا الرمضانية؛ نسبة إلى هذا الشهر الكريم الذي يحاول البعض تحويله إلى مناسبة ترفيهية يجهد فيه بعض الكتاب وبعض المخرجين أنفسهم ومشاهديهم، بمتابعة أحداث مفتعلة مكررة وانتزاع الضحك من الأفواه، بعد أن عجزت الكوميديا الدرامية عن انتزاعها من القلوب.
والمفارقة أكبر من أن يتخطاها كاتب أو مخرج أو ممثل، بكلمات منتقاةٍ أو بحركات سئم الناس من تكرارها.
لقد ذهب زمن الكوميديا بذهاب زمن الاستقرار والشعور بالطمأنينة على المستوى النفسي والمادي، وتوقفت الدراما السورية بعد أن كانت قد حققت إضافة فنية ومضمونية شدّت إليها ملايين المشاهدين في سائر الوطن العربي، بما في ذلك مصر؛ أم الفن السينمائي والمسرحي ووطن الكوميديا بمختلف أشكالها ومستوياتها الهادفة والضاحكة. نعم لقد توقفت الدراما السورية وسقط البلد الذي أنتجها في نوع من الكوميديا السوداء، ووضعتها مؤامرات الداخل والخارج في محنة ما كان لعاقل أو مجنون أن يتخيل مثالاً لها.
مدن مدّمرة، وطرق مقطوعة ومحافظات معزولة عن بعضها بعضاً، ودول وإمارات ما أنزل الله بها من سلطان ولا خطرت على ذهن مواطن يحب بلاده، ويكن لها في قلبه شيئاً من الولاء.
ومن الأخلاقيات الثابتة في حياة البشر على اختلاف أوطانهم ومعتقداتهم، أن الضحك في بيوت العزاء يتنافى مع القيم ويعد خروجاً فاضحاً عليها.
وما تنشره بعض الفضائيات العربية من مسلسلات ساخرة لا تختلف في دلالتها عن الضحك في بيوت العزاء، وبدلاً من استغفال المواطن العربي وتسطيح وعيه من خلال ما تقدمه من عبث درامي؛ لماذا لا تتمحور برامجها ومسلسلاتها حول القضايا الرئيسة التي صنعت هذا الواقع المحزن، وكيفية الخروج من قبضته العنيفة؟
وقد قيل الكثير والكثير جداً عن الدور الإيجابي والفعال الذي كان في مقدور هذه الوسائل أن تقوم به. وكان يكفيها شرفاً ونجاحاً، أن تخصص في برامجها مساحة لمحو الأمية، هذه اللعنة التي حافظت على نسبة التخلف، وأدت إلى هذا الحال من فقدان الوعي وضمور الإحساس بالمسؤولية تجاه كثير من القضايا الكبرى.
وها هو ذا شهر الصوم قد انقضى بكل ما قدمته الفضائيات العربية من إيجابيات نادرة، ومن مساخر هزلية، وآن الأوان للقائمين بأمرها أن يتوقفوا لمراجعة أمينة، مستعينين بما تنشره الصحافة الفنية من نقد هادف وملاحظات جديرة بأن ترعى وتكون موضع اعتبار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"