النمو الذكي في ضوء أزمة المناخ

20:49 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

قبل نحو ثلاثة أعوام، أوحى الخبير الاقتصادي بجامعة ماساتشوستس أمهيرست UMASS، روبرت بولين، في معرض استخفافه بالجدل القائل إن الإنتاج الاقتصادي الرأسمالي ضروري للحفاظ على الرفاهية الاجتماعية، بأن التخفيض المخطط للنمو الاقتصادي «تراجع النمو» (Degrowth)، هو الطريقة الأكثر احتمالية لحل أزمة المناخ. وذهب في القول بهذا الصدد، إلى أن المبتدئين فقط في علم الاقتصاد، هم الذين يصدِّقون الزعم التكتيكي البلاغي للاقتصاديين الرأسمالين الشائع منذ قرن على الأقل، بأن التعرض للإنتاج الرأسمالي (يقصد القيود الكمية وغير الكمية)، سيؤذي «الصغار» الذين يمثلون الشريحة الأعرض من أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة.

 ويختلف تحجيم النمو (Degrowth)، عن الركود (Recession). فموجبه، لا تزيد فيه الثروة الاقتصادية (بزيادة إجمالي الناتج المحلي تراكمياً)، ولا تنقص. بينما في حالة الركود يكون معدل النمو سالباً. ويربط عدد متزايد من الاقتصاديين في العالم، بصورة وثيقة، بين أزمة المناخ ونمو الإنتاج الصناعي. لذلك يذهبون إلى أن الطريقة الوحيدة لوقف ظاهرة الاحترار العالمي، تكمن في الحد بشكل كبير من هذا النمو. ولكن هناك معارضون لهذا التوجه، يردون بالقول إن عكس اتجاه النمو من شأنه أن يتسبب باضطرابات اقتصادية واجتماعية ذات أضرار متفاوتة على فئات المجتمع المختلفة؛ لذلك، يقترحون بديلاً لسياسة إبطاء النمو، وهو التخفيف من تجاوزات الإنتاج الرأسمالي السيئة ومعالجتها، كمسار واقعي ووحيد للمضي قدماً. ليرد أنصار نظرية تحجيم النمو بالقول إن الواقعية التي يتحدث عنها أنصار تثوير النمو ستقودهم إلى السؤال التالي: وما هي فرصة إحداث إصلاح ما تسبب به الإنتاج الصناعي من جملة مشاكل بيئية تراكمية أنتجت اضطراباً عالمياً، وربما كارثياً؟.. ثم إن منشأ هذه الأزمة البيئية والمناخية، هي الرأسمالية الصناعية التي أطلقت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتركيزها تراكمياً منذ بداية التصنيع على نطاق واسع نحو عام 1850. فتلوث البحار والمحيطات ناتج عن الجريان السام لمخلفات الزراعة الصناعية، وعن الأساليب الصناعية لصيد الأسماك (الصيد بشباك الجر). لقد تعرض الهواء والمياه الجوفية للتسمم بشكل كارثي لدرجة أن كتلة متسعة من البشرية تقلل من عمرها الافتراضي مع كل نفس من الهواء تتنفسه، وكل ومع كل جرعة ماء تشربها.

 والدعوات إلى الرأسمالية المُدارة بحصافة، أو بذكاء، بحسب المفردة الاقتصادية الحديثة، تتقدم كطريقة للتفكير في البحث عن حلول ممكنة. وكان الاقتصادي البريطاني الشهير جون ماينارد كينز، أول من تصدى لهذه المهمة من خلال دعوته في عام 1936 في مؤلفه «النظرية العامة للتوظيف والفائدة والنقود»، لعقلنة وترشيد آليات عمل السوق. فنجح في مساعدة الولايات المتحدة على الخروج من كساد عظيم عبر ما يمكن تسميته بتسوية اجتماعية أمّنت الصعود التالي للرأسمالية. والآن يندلع الجدل بشأن كيفية معالجة ما صار يُقر به الرأسماليون ويسمونه «الأضرار الجانبية»، الناتجة عن الإنتاج الرأسمالي، ومنها خصوصاً انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتدهور بيئة البحار والمحيطات والمياه والهواء.

وهذا يعني أن أرباح الشركات ترتفع بفضل تحميل الآخرين لجزء من تكاليف الإنتاج الرأسمالي. فبحسبة بسيطة، فإن الأرباح تساوي الإيرادات مطروحة منها التكاليف، ومنها كلفة ما تسمى العوامل الخارجية (إطلاق الانبعاثات مجاناً كمثال). فإذا ارتفعت التكاليف نتيجة لإجبار الشركات على دفع تكاليف «عواملها الخارجية»، فإن الأرباح تنخفض. وإذا لم ترتفع التكاليف في حال أعطيت الشركات إمكانية تحميل كلفة عواملها الخارجية على الآخرين، فإن الأرباح تكون أعلى،  مع ملاحظة أنه في كلتا الحالتين تشكل العوامل الخارجية تكاليف.  والسؤال: من يدفع هذه التكاليف؟ في النظم السياسية، حيث الثروة تعادل القوة السياسية (مثل الولايات المتحدة)، لا يزال بوسع الرأسماليين أن يلوثوا وهم مطمئنون إلى عدم مساءلتهم.

 في عام 2017، أعلنت «جوجل» إنها ستحقق هدفها في العام نفسه المتمثل في تأمين 100% من احتياجاتها من الطاقة المتجددة. وسرعان ما انضم إلى «جوجل» كل من جنرال موتورز وأبل وكوكا كولا، ضمن قائمة من مئة شركة تعهدت جميعها بالتوجه نحو الطاقة المتجددة بنسبة 100%. ليتضح فيما بعد إن أي شركة في قائمة RE100 لم تفِ عملياً بوعدها. ولم يعدُ ملصق «100% طاقة متجددة» أن يكون واجهة ووسيلة تسويقية تستخدمها الشركات للتظاهر بأنها تنتمي إلى الشركات «الخيِّرة»، بينما يستمر تعطشها للأرباح. والحال أن ما قامت به هذه الشركات، هو استخدامها لشهادات الطاقة المتجددة (Renewable Energy Certificates) التي تسمح لجميع الشركات بشراء حصة تلويثها الكربوني من دون الحاجة لتغيير أي من ممارساتها. وهذه قضية أصبحت مثار جدل طويل وعميق بين المناخيين.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"