حرب أوكرانيا وموضوع التضخم مجدداً

22:03 مساء
قراءة 3 دقائق
1

د. جاسم المناعي *

لقد تطرقنا في مقال سابق إلى موضوع التضخم، أسبابه الرئيسية، إشكالياته وتداعياته على دول المنطقة. ومن ضمن الأسباب الرئيسية للتضخم والتي تطرقنا إليها الحروب والصراعات. والحرب الحالية في أوكرانيا تؤكد هذه الحقيقة؛ حيث بالإضافة إلى معدلات التضخم المرتفعة أصلاً والتي شهدناها حتى قبل اندلاع هذه الحرب، وذلك لأسباب ترجع أساساً إلى السياسات المالية والنقدية التي تم اتباعها خلال العقدين الماضيين، بالإضافة إلى الإنفاقات الكبيرة للمساعدة على مواجهة التبعات الاقتصادية لجائحة «كورونا» نجد أنفسنا من جديد في مواجهة تضخم أكثر ضراوة مع بدء حرب روسيا على أوكرانيا. 

وأهم المستجدات في مجال التضخم على إثر هذه الحرب هو الارتفاع الكبير وغير المتوقع في أسعار البترول والغاز والمشتقات النفطية الأخرى، هذا بالإضافة إلى ارتفاع شديد وموازٍ في أسعار المحاصيل الزراعية وأسعار بعض المعادن المهمة. وستستمر أسعار هذه المنتجات في الارتفاع مع استمرار هذه الحرب، هذا وإن حصار ومقاطعة أمريكا وأوروبا لروسيا اقتصادياً سوف يزدادان وتظهر آثارهما على المدى المتوسط والطويل. وقرار أمريكا الأخير بمقاطعة استيراد النفط والغاز الروسي يأتي في هذا السياق، ويضع مزيداً من الضغط على أسعار البترول والغاز نحو ارتفاع وصعود أكبر؛ حيث وصل سعر برميل النفط إلى 140 دولاراً، وقد نشهد ارتفاعاً أكبر خلال الفترة القصيرة القادمة. 

وسيكون أيضاً للحرب آثار سلبية على الإمدادات وحجم التجارة الدولية، هذا إضافة إلى مزيد من التعثر في سلاسل الإنتاج. وللأسف فإن كل هذه التداعيات سيكون لها انعكاسات غير مؤاتية وسيئة جداً على معدلات النمو الاقتصادي العالمي. وأمام هذه التطورات ستجد السلطات النقدية في كثير من دول العالم نفسها أمام معضلة كبيرة متمثلة من ناحية في تفاقم مشكلة التضخم على إثر الحرب في أوكرانيا، ومن ناحية أخرى انخفاض وانكماش معدلات النمو نتيجة لتبعات وتداعيات هذه الحرب. وسيكون دور البنوك المركزية في غاية الصعوبة للتوفيق في سياساتها بين ضرورة التصدي للارتفاع المتزايد للتضخم، وبين التأكد من تجنب الإضرار بمعدلات النمو الاقتصادي التي تحتاج إليها دول العالم على إثر التعافي التدريجي من جائحة «كورونا». 

ولذلك ولهذه الأسباب فقد لا تتسرع البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة هذا، وحتى في حالة مباشرة رفع أسعار الفائدة فمن المتوقع نتيجة للظروف الحالية ألّا يكون مثل هذا الإجراء سريعاً وبدرجات كبيرة، بل الاحتمال هو أن يكون متدرجاً وبمعدلات أقل مما كان متوقعاً قبل نشوب هذه الحرب.

يبقى أن نشير الى التبعات الاقتصادية لنزوح اللاجئين من وراء هذه الحرب، والذين تقدر أعدادهم حتى الآن بأكثر من مليوني لاجئ، وقد تتجاوز أعدادهم مع استمرار الحرب خمسة ملايين لاجئ وفقاً لبعض التقديرات. وحسبما يبدو فإن أغلبية اللاجئين الأوكرانيين يتجهون بشكل رئيسي إلى بولندا ورومانيا، وبالطبع فإن ذلك يتطلب مساعدات مالية كبيرة لهاتين الدولتين من المجتمع الدولي ومن الاتحاد الأوروبي على وجه أخص. 

وغني عن الذكر أن مثل هذه التكاليف المالية سوف تزيد من حجم مديونية الدول المانحة، وستضطر المجموعة الأوروبية وفقاً لذلك إلى التغاضي عما تتطلبه اتفاقية ماسترخ من ضرورة عدم تجاوز المديونية وعجز الموازنة لحدود معينة، الأمر الذي سينعكس في شكل مزيد من الإنفاق، وبالتالي مزيد من ارتفاعات الأسعار والتضخم. للأسف الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، ما دامت الحرب في أوكرانيا مستمرة؛ حيث قد نشهد تطورات أخرى أسوأ، خاصة بالنسبة لأوكرانيا أولاً، ولاقتصاد روسيا ثانياً، وللمجموعة الأوروبية ثالثاً، ولبقية دول العالم بشكل أعم. لكن الأمل مازال قائماً في أن تتوقف هذه الحرب، وتكون تداعياتها لاتتجاوز الأمد القصير.

* الرئيس السابق لصندوق النقد العربي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"