العقوبات على روسيا.. رُبّ ضــــارة نافعــــة

21:30 مساء
قراءة 4 دقائق
2

سيمون كونستابل *

في حين أن التنبؤ بأي شيء أمرٌ معقد بالأحوال الطبيعية، فإنه يظل أكثر صعوبة عندما تكون هناك أزمة عسكرية وجيوسياسية. ومع ذلك، يقول الخبراء إن تأثير العقوبات في روسيا في جميع أنحاء العالم سيكون غير متساوٍ، مما يؤدي إلى ظهور مفاجئ لبعض الرابحين والخاسرين. ويبقى الأمر الأكثر دقة هو كيف سيرتد الحظر المفروض على التجارة مع روسيا إلى بقية الاقتصاد العالمي؟

في الوقت الحالي، تم فرض ضوابط مشددة على رأس المال الروسي، وسيجري تحويل الاستثمار الأجنبي الذي كان من المفترض أن يكون لموسكو إلى مكان آخر، وكما يقول روبرت رايت من المعهد الأمريكي للأبحاث الاقتصادية: «مع إغلاق سوق الأسهم الروسية، سيتوقف الناس عن ضخ المزيد من الأموال».

وبالتالي ستشهد البلدان التي تتلقى تدفقات من الأموال المعاد توجيهها بعيداً عن روسيا نمواً اقتصادياً متسارعاً أكثر مما كان متوقعاً قبل بدء النزاع العسكري في أوكرانيا. وستكون الولايات المتحدة هي المرشح الأوفر حظاً لاحتضان تلك الأموال الأجنبية التي كانت بالأصل متجهة إلى روسيا، ويتضح ذلك جلياً من الارتفاع الأخير في قيمة الدولار الأمريكي بنحو 3% منذ بدء العمليات العسكرية الدائرة. ويجب أن تتوقع الديمقراطيات الليبرالية الأخرى مثل تلك الموجودة في أوروبا جزءاً من التدفقات المفيدة أيضاً. كما يمكن لدول ممن لم تشارك في حزمة العقوبات الأخيرة ضد موسكو، مثل المكسيك وتركيا، أن تحصل على جرعة اقتصادية مهمة كذلك، من خلال الاستفادة من زيادة حجم التجارة والعمل كوسيط بين روسيا وبقية الاقتصاد العالمي. بعبارة أخرى، إذا كان المنتج الروسي مطلوباً في مكان ما في العالم، فيمكن لدولة حيادية أن تكسب الكثير من خلال شراء المنتج من روسيا ومن ثم إعادة بيعه.

كما يمكن أن تستفيد اقتصادات بعض البلدان من هجرة الأدمغة ومغادرة العمال الروس والأوكرانيي ن ذوي المهارات العالية أراضيهم واللجوء إلى مواقع أكثر ملاءمة. فقد كانت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وجهة رئيسية للعلماء والمفكرين الفارين من أتون الحرب الباردة منتصف القرن الماضي.

وفي جانب متصل، تتوقع إيريكا جروشين، المسؤولة السابقة في الاحتياطي الفيدرالي والمستشار الاقتصادي الأول في كلية العلاقات الصناعية والعمل بجامعة كورنيل، أن تزدهر الصناعات الدفاعية وشركات الطاقة على المدى القريب جنباً إلى جنب مع الأمن السيبراني، وأن تشق طريقها سريعاً إلى قمة جدول الأعمال السياسي في أوروبا والولايات المتحدة تحسباً لزيادة الأرباح. وقد شهدنا بالفعل ارتفاع أسهم قطاع الطيران والدفاع بشكل كبير خلال الفترة الماضية، كما أنه من المرجح أن يزيد الإنفاق على تأمين إمدادات مصادر الطاقة الأحفورية والمتجددة والتي تتوفر إمداداتها المحلية في العديد من البلدان غير روسيا وأوكرانيا.

ومع ذلك، فإن العقوبات المفروضة على روسيا ستخلق عدداً لا يحصى من السلبيات للاقتصاد العالمي والذي من المحتمل أن يعاني انخفاض صادرات الأغذية والسلع الحيوية المرتبطة بالزراعة، وبالتالي تكاليف غذاء أعلى. فبحسب أندرو ميليجان، خبير استراتيجيات السوق ومسؤول سابق في وزارة الخزانة البريطانية، تعتبر كل من أوكرانيا وروسيا بمثابة سلة خبز عالمية. ووفقاً أيضاً لوزارة الزراعة الأمريكية، تشكل صادرات القمح المجمعة من البلدين 29% من سوق التصدير العالمي. وقد قام المتداولون بالفعل بالمزايدة على أسعار الحبوب بنحو 77% منذ بداية فبراير/شباط الماضي تحسباً لانخفاض الإمدادات بسبب الصراع والعقوبات. وقد تنخفض إمدادات الأسمدة الزراعية في جميع أنحاء العالم، حيث تسيطر روسيا وحليفتها بيلاروسيا على أكثر من ثلث إنتاج البوتاس العالمي، وهو مكون رئيسي في الأسمدة. كما تسيطر روسيا وحدها على 14% من إنتاج الغذاء النباتي القائم على النيتروجين، وفقاً لشركة الأبحاث المالية «CFRA».

يرجح اقتصاديون أن تؤدي العقوبات إلى انخفاض طفيف في أرباح الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع تكاليف الطاقة وانسحاب شركات التكنولوجيا من روسيا. وفي النهاية، سيتأثر نمو الناتج المحلي الإجمالي سلباً في بعض الاقتصادات. فعلى سبيل المثال، قد يتراجع النمو في الولايات المتحدة 0.25% إلى 0.5% أقل من توقعات العام الجاري، في حين أن نسبة أوروبا ستكون أسوأ عند 0.5% إلى 1%. وذلك لأن القارة العجوز تتاجر مع روسيا أكثر مما تفعله الولايات المتحدة. ويمكن تعويض الضرر جزئياً عن طريق الاستثمار الجديد في المنطقة الذي كان سيذهب في السابق إلى روسيا.

ومع ذلك، من المحتمل أن يكون التأثير ضئيلاً لأن الاقتصاد الروسي صغير نسبياً (1.48 تريليون دولار) مقارنة بإجمالي الناتج المحلي الأوروبي البالغ 18 تريليون دولار تقريباً (بما في ذلك المملكة المتحدة).

ولا ننسى قطاع السياحة الذي قد يتعرض هو الآخر لضربة موجعة في بعض البلدان، لا سيما في أجزاء من أوروبا وشمال إفريقيا. فالروس ينفقون كثيراً على السياحة والسلع الكمالية، أو على الأقل كانوا يضخون مبالغ لا بأس بها من المال في وجهات العطلات العصرية في أوروبا مثل ريفييرا الإيطالية والفرنسية.

* زميل في معهد جونز هوبكنز للاقتصاد التطبيقي والصحة العالمية - مجلة تايم الأمريكية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"