عادي

أين العرب من تداعيات الحرب الأوكرانية؟

23:05 مساء
قراءة 4 دقائق

د. نورهان الشيخ*

على الرغم من تأكيد جامعة الدول العربية وقوفها على الحياد من الحرب الأوكرانية بالنظر إلى وجود علاقة صداقة ومصالح مشتركة تربط الدول العربية بكل من روسيا وأوكرانيا، فإنه من الصعوبة بمكان الحديث عن «موقف عربي» تتضامن فيه كل الدول العربية تجاه الأزمة الأوكرانية. فقد حددت كل دولة عربية موقفها وفقاً لمدى حيوية العلاقة والمصالح التي تربطها بروسيا من ناحية، والولايات المتحدة من ناحية أخرى.

يفسر هذا تأرجح المواقف العربية ما بين «إدانة الهجوم الروسي والدعوة إلى الحوار» في الحالة اللبنانية، والتأييد الكامل لروسيا في الحالة السورية، وما بين الموقفين مدى من المواقف التي أعلنت الحياد مع ميل لهذا الطرف أو ذاك. وقد انعكس هذا بوضوح في تصويت الدول العربية على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ختام جلستها الطارئة، يوم 2 مارس/آذار، الذي يطالب روسيا بالتوقف الفوري عن استخدام القوة ضد أوكرانيا حيث صوتت 15 دولة عربية لصالح القرار، وامتنعت ثلاث دول عن التصويت، هي الجزائر والسودان والعراق، وعارضت القرار سوريا، فيما تجنب المغرب الإحراج وغاب ممثله عن جلسة التصويت. كما امتنعت الإمارات عن التصويت على قرار إدانة روسيا داخل مجلس الأمن في موقف أكد حياد الإمارات من الأزمة.

على الرغم من أن رحى الحرب ما زالت دائرة إلا إن تداعياتها الاستراتيجية والاقتصادية تبدو واضحة لكثير من المحللين والسياسيين. من ناحية، يؤشر قوة الموقف الروسي وإصرار موسكو على المضي قدماً فى عمليتها العسكرية حتى تحقيق أهدافها بالكامل بتدمير البنية العسكرية الأوكرانية وضمان حياد كييف، وتفهم الصين والهند لموقف روسيا ورفضهما الانخراط في العقوبات ضدها، واستمرار الانفتاح عليها على النحو الذي يجعل من البلدين وغيرهما من الدول التي حذت حذوهما الرئة والتي يتنفس بها الاقتصاد الروسي ويقاوم محاولات خنقه من جانب الغرب، إلى نظام دولي تعدى سياسياً واقتصادياً.

امتصاص صدمة العقوبات

فقد ساعد احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الروسي (643.2 مليار دولار في 18 فبراير من العام الجاري) على امتصاص الصدمة الأولى للعقوبات على مستوى الاقتصاد الكلى، واتخذت روسيا خطوات عدة لتخفيف تداعيات استبعادها من نظام «سويفت»، وتفعيل نظام الدفع الخاص بها «إس بي إف إس» (SPFS)، ليس فقط في التحويلات المحلية، لكن للمتعاملين في الخارج، خاصة أنه مرتبط بنظام البنوك في الصين، وإجراء التحويلات المالية باستخدام أنظمة أخرى، ومنها على سبيل المثال، نظام «كروس بوردر» الصيني للتحويلات المالية. ومع إعلان شركة «ماستركارد» وشركة «فيزا» تعليق خدمات بطاقاتها البنكية في روسيا، بدأت البنوك الروسية في الاعتماد على النظام الصيني للمدفوعات «UnionPay» في إصدار البطاقات، وهو نظام معمول به في 180 دولة.

من ناحية أخرى، أعلنت الهند أنها تعمل على وضع آلية لتسهيل التجارة مع روسيا باستخدام العملات المحلية لتجنب تعطيل سلاسل التوريد ورفع أسعار السلع، مما يزيد من مشاكل التضخم بها، ويبلغ حجم التجارة بين البلدين 10.8 مليار دولار. وبموجب الآلية المقترحة، يمكن إيداع الروبل في بنك هندي بعد تحويله إلى الروبية والعكس صحيح، في حين أن هناك بعض المخاوف بشأن كيفية ربط العملات، وكذلك بشأن طرق تحقيق التوازن في التجارة، لأن الهند مستورد صاف للبضائع الروسية والتي تشمل المعدات الدفاعية. كما أعلنت روسيا تحول بنوك روسية إلى فتح ودائع بعملات دول لم تفرض عقوبات عليها، من بينها اليوان الصيني وعملات دول رابطة الدول المستقلة والدرهم الإماراتي والليرة التركية والروبية الهندية وغيرها.

الموقف العربي

مثل هذه التطورات الهيكلية تفرض تحركاً فعالاً وسريعاً وخطوات غير تقليدية من جانب الدول العربية، في مقدمتها استمرار سياسة الحياد والتوازن إزاء الأزمة على المستوى السياسي، وعدم التخندق مع طرف ضد آخر، وذلك بالنظر إلى العلاقات الاستراتيجية والمصالح الحيوية التي تربط دول المنطقة بكل من موسكو وواشنطن. هذا إلى جانب اتخاذ التدابير نحو ضمان الأمن الغذائي لها حيث أدت الحرب إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لأن كلاً من روسيا وأوكرانيا من كبار منتجي المواد الغذائية، وينتجان معاً 14% من القمح العالمي وتمثلان مصدر 29% من صادراته العالمية، وتعتبر روسيا أكبر مصدر له عالمياً، كما أن كلا البلدين من المنتجين الكبار لزيت الذرة وزيت عباد الشمس، وتعد روسيا أكبر مصدر للأسمدة التي تستخدم في الزراعة، وستؤثر الحرب والعقوبات في أسعار هذه المواد وزيادة التضخم.

يفرض هذا على الدول العربية التحرك في اتجاهين، الأول آلية لتسهيل التجارة العربية مع روسيا والتي تجاوزت 18 مليار دولار عام 2021، وربما يكون الأخذ بحذو الهند والصين وغيرهما والعمل بالعملات الوطنية خياراً مطروحاً في مختلف التعاملات التجارية وكذلك في صفقات الأسلحة التي أصبحت روسيا تديرها بالعملات الوطنية أيضاً. والثاني، قد يكون من المهم بحث البدائل المتاحة لتوفير السلع والمنتجات الأساسية، والعمل على توفيرها من مصادر متنوعة ضماناً للأمن والاستقرار في البلدان العربية التي تعتمد على الواردات الروسية والأوكرانية بشكل كبير مثل مصر ولبنان وغيرهما.

دور السياح

إلى جانب تفعيل البطاقات الائتمانية المسموح بها للروس حتى لا يؤثر ذلك في تدفق السياحة الروسية للبلدان العربية. ويعول العديد من الدول العربية على السياحة الروسية، وعلى سبيل المثال، تعتبر روسيا من أهم الدول المصدرة للسياحة لمصر، التي تعتبر مصدراً رئيسياً للدخل القومى؛ حيث تجاوزت إيرادات السياحة 13 مليار دولار عام 2021. كما كانت تقديرات سابقة قد أشارت إلى أن حجم السياحة الروسية في الإمارات سيتجاوز مليار دولار خلال 4 سنوات، في ضوء حلول السياح الروس في المرتبة الثانية من حيث العدد، لكن، وبسبب القيود المفروضة على بطاقاتهم الائتمانية، قد لا يتمكن هؤلاء من السفر إلى الدول العربية مما يفقدها مصدراً مهماً للدخل.

على صعيد آخر، يتيح انسحاب الشركات الأمريكية والأوروبية وتلك التابعة للدول المتضامنة في نظام العقوبات من السوق الروسية مجالات رحبة لضخ الاستثمارات العربية والحصول على فرص مهمة بقيمة منافسة، وهو ما تقوم به بعض الدول حالياً، وهناك مدى واسع يمكن لرأس المال العربي التحرك فيه.

إن الحرب الأوكرانية تفرض تحديات سياسية واقتصادية، لكن بإمكان الدول العربية مواجهة هذه التحديات وتلمس بعض الفرص خاصة إذا ما تم دفع التنسيق والتعاون العربي في هذا الخصوص.

* أستاذة العلاقات الدولية والسياسية بجامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"