سوريا والقمة العربية القادمة

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو

مهما كان الاختلاف السياسي مع نظام الحكم في الجمهورية العربية السورية، فإن من الحكمة والواجب القومي الترحيب بالتطور الجديد المفرح في علاقة سوريا بدولة الإمارات. موضوع المقاطعة والإبعاد ما عاد قابلاً للتبريرات العبثية والمحاجات الصراعية القُطرية التي يقدمها البعض كسبب لإبعاد هذا القطر أو ذاك عن الجامعة العربية أو المجالس الجهوية من مثل مجلس الاتحاد المغاربي أو مجلس التعاون الخليجي.
 المبرر الوحيد المقبول لإبعاد أي قطر عربي أن يعمل  ضد المصالح والثوابت القومية العليا أو ضد المصالح المشروعة لقطر عربي آخر. ما عدا ذلك فهو لا يعدو أن يكون خلافاً في وجهات نظر، أو سوء فهم سياسي يتكرر، أو تجاوز خط أحمر اتفقت أقطار الأمة العربية على تحريم تجاوزه من قبل أية جهة عربية كانت.
   لقد ملت، إلى حدود الغثيان، شعوب الأمة العربية الاستماع إلى الملاسنات والفحش في القول فيما بين أنظمة الحكم العربية، أو مفاجأتها بأخبار استدعاء سفراء أو قطع علاقات يؤدي في الغالب إلى تسميم أجواء العمل القومي المشترك، أو إرباك العلاقات العربية مع هذه الجهة الدولية أو تلك. وما أن ينجلي الغبار وتعرف الحقائق حتى يتبين بأن الأسباب كانت واهية، أو شخصية فيما بين هذا المسؤول الكبير أو ذاك، أو بإيحاء من هذه الجهة الأجنبية أو تلك، وعلى الأخص من الجهات الخبيثة الراغبة في إبقاء هذه الأمة مجزأة متباعدة متصارعة ليسهل إبقاؤها خارج العصر إلى الأبد.
  والواقع أن هذه الظاهرة ليست جديدة، فقد وجدت وتكررت وأربكت منذ استقلال وقيام الدول القطرية الوطنية العربية الحديثة. ويعرف القاصي والداني مقدار الدمار الذي عانته هذه الأمة بسبب خروج هذا النظام أو ذاك عن التزاماته القومية، أو حتى وصول الأمر إلى التآمر العبثي المجنون ضد هذه الخطوة الوحدوية أو تلك، كما حصل بالنسبة لتدمير قيام الجمهورية العربية المتحدة كاتحاد بين مصر وسوريا، والذي كان مرشحاً لإيقاف التدهور والاستغلال الاستعماري في الحياة العربية كلها، من المحيط إلى الخليج.
  ما يجعل هذا الموضوع بالغ الحساسية والخطورة هو تجرؤ حتى الدول الإقليمية في الدخول في لعبة الشد والجذب فيما بين الأقطار العربية، بعد أن كان هذا الميدان حكراً على الدول الاستعمارية الكبرى.
  نقولها رسالة إلى قيادات الدول العربية الذين سيحضرون مؤتمر القمة العربي القادم في الجزائر بأنهم يجب أن يضعوا على جدول أعمالهم هذا البند المفصلي المهم ويكوّنوا لجنة من مفكرين وأخصائيين وناشطين في الحياة السياسية العربية، إضافة إلى شخصيات رسمية مشهود لها بالحكمة والتوازن والنضج النفسي، لتتدارس هذا الأمر وتقدم لهم مقترحات تحدد الالتزامات القومية، والخطوط الحمر، ونوع القرارات المرفوضة مبدئياً وقومياً، والتعديلات الضرورية في أنظمة الجامعة العربية لجعلها قادرة على المبادرات والرقابة القومية الفاعلة المانعة لانتشار العبث والتصرفات الحمقاء.
  ومن أجل إثبات الجدية يجب أن تحضر أقطار من مثل سوريا واليمن وليبيا مؤتمر القمة، ويجب أن لا يغيب رئيس دولة إلا لأسباب اضطرارية موجبة، ويجب أن تمتد الاجتماعات حسب الحاجة لإنضاج القرارات.
  في اللحظة الحاضرة لا يوجد موضوع أهم، ولا يوجد خطر أكبر من التمزق المرعب الذي تعيشه هذه الأمة وتحترق بنيرانه الشعوب.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"