تحولات اقتصادية عميقة في الباسيفيك

21:31 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم محمود حنفي*

تم تشكيل عدد من التكتلات التجارية في أوروبا والأمريكتين. لكن هناك القليل من هذه التكتلات الاقتصادية في آسيا. رغم أن القارة الآسيوية تعتبر، منذ زمن بعيد، مركز الثقل الديموغرافي على مستوى هذا الكوكب، مثلما أصبحت اليوم أيضاً هي المحرك الدافع للاقتصاد العالمي في سياقه الشامل. وتجمع التحليلات على أن الكثير من تاريخ القرن الواحد والعشرين سوف يكتب في آسيا. وأن المنطقة سوف تشهد أكبر نمو اقتصادي تحولي على وجه الكرة الأرضية، وأضحت في قلب توازنات العالم الاستراتيجية والعسكرية. وعوامل الفرادة والقوة الآسيوية. لكن الخريطة التجارية العالمية بدأت فعلاً في التغير، بعد انسحاب إدارة ترامب من اتفاقية المشاركة عبر المحيط الهادئ. وكان هذا موقفاً يدعو للتساؤل، فتلك الاتفاقية كانت تعد حجر الزاوية في «المحور الآسيوي» الذي تطمح إليه الولايات المتحدة. في إطار السعي إلى تحقيق استدامة وتقوية القيادة الأمريكية في منطقة آسيا – المحيط الهادئ، وتحويل مركز الثقل العسكري الأمريكي من منطقة الأطلسي إلى حوض الهادئ، وذلك أساساً لمواجهة القوة الصينية الصاعدة، وكانت الفرضية الرئيسية التي تستند إليها تلك الاستراتيجية، تتمثل في أن القوة الأمريكية يجب أن تسير صوب مصالحها الاقتصادية في منطقة لديها طبقة وسطى متنامية يتوق أفرادها إلى هواتف «آيفون» وسيارات من طراز «فورد». علماً بأن مفاوضات تلك الاتفاقية تطلبت خمس سنوات قبل التوقيع عليها في أكتوبر من عام 2015 وكانت تضم الولايات المتحدة واليابان (ثالث أكبر اقتصاد عالمي)، إلى جانب بلدان أخرى مطلة على المحيط الهادئ، ومعاً تشكل البلدان الأعضاء سوقاً كبيرة يبلغ حجمها 800 مليون نسمة وقرابة 40% من الاقتصاد العالمي. وهي اتفاقية تجارية شاملة رفيعة المستوى تدخل تخصصات جديدة إلى النظام التجاري العالمي يعكس التحديات التي يواجهها النظام التجاري الدولي. والسعي لتوليد النمو الاقتصادي وتأمين وظائف جديدة من خلال موجة من الاستثمارات وتطوير الأعمال في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ. والسعي إلى تحقيق نمو قوي ومستدام. ومن ثم فقد قادت اليابان تلك الجهود ونجحت في إنجاز الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة العابرة للمحيط الهادئ لتحرير التجارة أو «CPTPP».

مع بلدان أخرى – المكسيك ونيوزيلندا وأستراليا وبروناي وتشيلي وسنغافورة وبيرو وفييتنام وماليزيا – ومجموع إجمالي الناتج المحلي للدول ال11 المشاركة في اتفاقية CPTPP يصل تقريباً لإجمالي الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي، وقدمت بعض الدول طلبات للانضمام إلى تلك الاتفاقية أبرزها المملكة المتحدة. والصين، التي فيما يبدو تحاول زيادة نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ونظراً لأن هناك نزعات تجارية بين الصين وبعض دول اتفاقية CPTPP مثل أستراليا، يصعب التكهن بما إذا كانت الصين ستحصل على موافقة كافة الدول الأعضاء في الاتفاقية وهي خطوة ضرورية للانضمام.

كما قادت الصين اتفاقية تجارية ضخمة بين آسيا والمحيط الهادئ، والمعروفة باسم الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية (RCEP)، وتضم الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا إلى جانب اليابان والصين وكوريا الجنوبية وأستراليا و نيوزيلندا.

ويبلغ عدد السكان في الدول ال 15 الأعضاء في اتفاقية المشاركة الاقتصادية الإقليمية الشاملة مليارين و260 مليون نسمة، أي 29,9% من إجمالي عدد سكان العالم، ويبلغ حجم التبادلات التجارية بين الدول الأعضاء 5,4 تريليون دولار، أي 28,7 % من إجمالي التبادلات التجارية العالمية، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول 26,3 تريليون دولار، أي ما يقرب من 30% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. وبهذا تعد هذه الاتفاقية أكبر اتفاقية للتجارة الحرة على مستوى العالم. وتعد هذه بالنسبة لليابان أول اتفاقية شراكة اقتصادية تضم الصين وهي أكبر شريك تجاري لها.

* أكاديمي مصري

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"